جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{۞قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلۡمُعَوِّقِينَ مِنكُمۡ وَٱلۡقَآئِلِينَ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ هَلُمَّ إِلَيۡنَاۖ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلۡبَأۡسَ إِلَّا قَلِيلًا} (18)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ الْمُعَوّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاّ قَلِيلاً * أَشِحّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ كَالّذِي يُغْشَىَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحّةً عَلَى الْخَيْرِ أوْلََئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً } .

يقول تعالى ذكره : قد يعلم الله الذين يعوّقون الناس منكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصدّونهم عنه ، وعن شهود الحرب معه ، نفاقا منهم ، وتخذيلاً عن الإسلام وأهله والقائِلِينَ لإخْوَانِهِمْ هَلُمّ إلَيْنا : أي تعالوا إلينا ، ودعوا محمدا ، فلا تشهدوا معه مشهده ، فإنا نخاف عليكم الهلاك بهلاكه . وَلا يَأْتُونَ البأْسَ إلاّ قَلِيلاً يقول : ولا يشهدون الحرب والقتال إن شهدوا إلاّ تعذيرا ، ودفعا عن أنفسهم المؤمنين . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ المُعَوّقِينَ مِنْكُمْ والقائِلِينَ لإخْوَانِهِمْ قال : هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يقولون لإخوانهم : ما محمد وأصحابه إلاّ أكلة رأس ، ولو كانوا لحما لالتهمهم أبو سفيان وأصحابه ، دعوا هذا الرجل فإنه هالك .

وقوله : وَلا يَأْتُونَ البأْسَ إلاّ قَلِيلاً : أي لا يشهدون القتال ، يغيبون عنه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : حدثنا يزيد بن رومان قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ المُعَوّقِينَ مِنْكُمْ : أي أهل النفاق وَالقائِلِينَ لإخْوَانِهِمْ هَلُمّ إلَيْنا ، وَلا يَأْتُونَ البأْسَ إلاّ قَلِيلاً : أي إلاّ دفعا وتعذيرا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ المُعَوّقِينَ مِنْكُمْ ، والقائِلِينَ لإخْوَانِهِمْ . . . إلى آخر الاَية ، قال : هذا يوم الأحزاب ، انصرف رجل من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجد أخاه بين يديه شواء ورغيف ونبيذ ، فقال له : أنت ههنا في الشواء والرغيف والنبيذ ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرماح والسيوف ؟ فقال : هلمّ إلى هذا ، فقد بلغ بك وبصاحبك ، والذي يحلف به لا يستقبلها محمد أبدا ، فقال : كذبت والذي يحلف به قال ، وكان أخاه من أبيه وأمّه : أما والله لأخبرنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أمرك قال : وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره قال : فوجده قد نزل جبرائيل عليه السلام بخبره قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ المُعَوّقِين مِنْكُمْ والقائِلِينَ لإخْوَانِهِمْ هَلُمّ إلَيْنا ، وَلا يَأْتُون البأْسَ قَلِيلاً .