الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{لَّا جُنَاحَ عَلَيۡهِنَّ فِيٓ ءَابَآئِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآئِهِنَّ وَلَآ إِخۡوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآءِ إِخۡوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآءِ أَخَوَٰتِهِنَّ وَلَا نِسَآئِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُنَّۗ وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدًا} (55)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم رخص في الدخول على نساء النبي صلى الله عليه وسلم من غير حجاب لأهل القرابة، فقال: {لا جناح} يعني: لا حرج {عليهن} في الدخول على نساء النبي صلى الله عليه وسلم {في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن} يعني كل حرة مسلمة {ولا ما ملكت أيمانهن} يعني عبيد نساء النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلوا عليهن من غير حجاب أن يكون منهن، أو منهم من لا يصلح، فقال لهن: {واتقين الله} في دخولهم عليكن {إن الله كان على كل شيء} من أعمالكم {شهيدا} لم يغيب عن الله عز وجل من يدخل عليهن إن كان منهن، أو منهم ما لا يصلح...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: لا حرج على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم في آبائهنّ ولا إثم.

ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي وضع عنهنّ الجناح في هؤلاء؛ فقال بعضهم: وضع عنهنّ الجناح في وضع جلابيبهنّ عندهم...

وقال آخرون: وضع عنهنّ الجناح فيهنّ في ترك الاحتجاب...

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: ذلك وضع الجناح عنهنّ في هؤلاء المسلمين أن لا يحتجبن منهم، وذلك أن هذه الآية عقيب آية الحجاب، وبعد قول الله:"وَإذَا سألْتُمُوهُنّ مَتاعا فاسأَلُوهُنّ مِنْ وَرَاءِ حِجابٍ" فلا يكون قوله: "لا جُناحَ عَلَيْهِنّ فِي آبائهِنّ "استثناء من جملة الذين أمروا بسؤالهنّ المتاع من وراء الحجاب إذا سألوهنّ ذلك أولى وأشبه من أن يكون خبر مبتدأ عن غير ذلك المعنى.

فتأويل الكلام إذن: لا إثم على نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأمّهات المؤمنين في إذنهنّ لآبائهن، وترك الحجاب منهنّ، ولا لأبنائهنّ ولا لإخوانهنّ، ولا لأبناء إخوانهنّ. وعُني "بإخوانهنّ وأبناء إخوانهنّ" إخوتهنّ وأبناء إخوتهنّ... ولم يذكر في ذلك العمّ على ما قال الشعبي حذرا من أن يصفهنّ لأبنائه...

وقوله: "وَلا نسائهِنّ" يقول: ولا جناح عليهنّ أيضا في أن لا يحتجبن من نساء المؤمنين... قال ابن زيد، في قوله: "وَلا نِسائهِنّ". قال: نساء المؤمنات الحرائر ليس عليهنّ جناح أن يرين تلك الزينة، قال: وإنما هذا كله في الزينة، قال: ولا يجوز للمرأة أن تنظر إلى شيء من عورة المرأة...

قال: "وَلا ما مَلَكَتْ أيمَانُهُنّ" فليس ينبغي لها أن تكشف قرطها للرجل، قال: وأما الكحل والخاتم والخضاب، فلا بأس به، قال: والزوج له فضل، والآباء من وراء الرجل لهم فضل. قال: والآخرون يتفاضلون، قال: وهذا كله يجمعه ما ظهر من الزينة، قال: وكان أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يحتجبن من المماليك.

وقوله: "وَلا ما مَلَكَتْ أيمَانُهُنّ" من الرجال والنساء. وقال آخرون: من النساء. وقوله: "وَاتّقِينَ اللّهِ" يقول: وخَفن الله أيها النساء أن تتعدّين ما حدّ الله لكن، فتبدين من زينتكنّ ما ليس لكنّ أن تبدينه، أو تتركن الحجاب الذي أمركنّ الله بلزومه، إلا فيما أباح لكن تركه، والزمْنَ طاعته.

"إنّ اللّهَ عَلى كُلّ شَيْءٍ شَهِيدا" يقول تعالى ذكره: إن الله شاهد على ما تفعلنه من احتجابكنّ، وترككنّ الحجاب لمن أبحت لكن ترك ذلك له، وغير ذلك من أموركنّ يقول: فاتقين الله في أنفسكنّ لا تلقين الله، وهو شاهد عليكم بمعصيته، وخلاف أمره ونهيه، فتهلكن، فإنه شاهد على كلّ شيء.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

{شهيداً} لا تتفاوت الأحوال في علمه.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{لا جناح} أي إثم {عليهن في آبائهن} دخولاً وخلوة من غير حجاب، والعم والخال وأبو الزوج بمصير الزوجين كالشيء الواحد بمنزلة الوالد {ولا أبنائهن} أي من البطن أو الرضاعة، وابن الزوج بمنزلة الولد، وترك ذكرهم يفهم أن الورع الحجاب عنهم {ولا إخوانهن} لأن عارهن عارهم، {ولا أبناء إخوانهن} فإنهن بمنزلة آبائهم، {ولا أبناء أخواتهن} فإنهن بمنزلة أمهاتهم... {ولا ما ملكت أيمانهن} لأنهم لما لهن عليهم من السلطان تبعد منهم الريبة هيبة لهن مع مشقة الاحتجاب عنهم...

روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت:"أستأذن عليّ أفلح أخو أبي القعيس رضي الله عنه بعد ما أنزل الحجاب، فقلت: لا آذن له حتى استأذن فيه النبي صلى الله عليه وسلم فإن أخاه أبا القعيس ليس هو أرضعني و لكن أرضعتني امرأة أبي القعيس، فدخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! إن أفلح أخا أبي القعيس استأذن فأبيت أن آذن له حتى أستأذنك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يمنعك؟ قلت: يا رسول الله! إن الرجل ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس، فقال: ائذني له فإنه عمك تربت يمينك، قال عروة: فلذلك كانت عائشة رضي الله عنها تقول: حرموا من الرضاعة ما تحرموا من النسب"...

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

إن الله شاهد عليكم عند اختلاء بعضكم ببعض، فخلوتكم مثل ملئكم، فاتقوه فيما تأتون وما تذرون.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والتفت من الغيبة إلى خطابهن في قوله: {واتقين الله} لتشريف نساء النبي صلى الله عليه وسلم بتوجيه الخطاب الإِلهي إليهن.

الشهيد: الشاهد مبالغة في الفعل.