المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ شَاعِرٞ نَّتَرَبَّصُ بِهِۦ رَيۡبَ ٱلۡمَنُونِ} (30)

30 - بل أيقولون هو شاعر ، ننتظر به نزول الموت ؟ ، قل تهديداً لهم ، انتظروا فإني معكم من المنتظرين عاقبة أمري وأمركم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ شَاعِرٞ نَّتَرَبَّصُ بِهِۦ رَيۡبَ ٱلۡمَنُونِ} (30)

وقوله تعالى : { أم يقولون شاعر } الآية ، روي أن قريشاً اجتمعت في دار الندوة فكثرت آراؤهم في محمد صلى الله عليه وسلم حتى قال قائل منهم : { تربصوا به ريب المنون } فإنه شاعر سيهلك كما هلك زهير والنابغة والأعشى وغيرهم ، فافترقوا على هذه المقالة فنزلت الآية في ذلك ، والتربص : الانتظار ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]

تربص بها ريب المنون لعلها . . . تطلق يوماً أو يموت حليلها{[10651]}

وأنشد الطبري : [ الطويل ]

لعلها سيهلك عنها زوجها أو سيجنح . . . {[10652]}


[10651]:البيت في اللسان، والطبري، والقرطبي، والبحر المحيط، وفتح القدير، وقد ذكروه جميعا شاهدا على أن التربص هو الانتظار، وزاد بعضهم أن الفعل(تربص) يتعدى بإسقاط حرف الجر، وأن الأصل: تربص إلى ريب المنون، وأن(ريب المنون) هو الموت أو حوادث الدهر، والحليل هو الزوج، ومعنى البيت: انتظر الأيام وحوادثها فلعل ذلك يحقق أملك بأن يموت زوجها أو يطلقها.
[10652]:هذه الرواية هي الرواية التي انفرد بها الطبري لهذا البيت، ومع ذلك وقع تحريف في الكلمة الأخيرة، فوردت في أصول الطبري-كما ذكر مُحققه-"أو شحيح"، وبهذا اختل المعنى والوزن، وحاول الإصلاح فاختار بدلا منها كلمة"تسرح"، والتسريح هو الطلاق ويناسب المعنى، وفي الأصول المخطوطة هنا وردت الكلمة"أو سيجنح" أي يميل ويبعد عنها، وهو يعني الفراق والطلاق. ومن الغريب أن القرطبي نسب البيت إلى ابن عباس رضي الله عنهما، لكن المحقق أكرمه الله غيّر ذلك إلى:"قال الشاعر".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ شَاعِرٞ نَّتَرَبَّصُ بِهِۦ رَيۡبَ ٱلۡمَنُونِ} (30)

إن كانت { أم } مجردة عن عمل العطف فالجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً ، وإلا فهي عطف على جملة { فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون } [ الطور : 29 ] .

وعن الخليل كل ما في سورة الطور من ( أم ) فاستفهام وليس بعطف ، يعني أن المعنى على الاستفهام لا على عطف المفردات . وهذا ضابط ظاهر . ومراده : أن الاستفهام مقدر بعد ( أم ) وهي منقطعة وهي للإِضراب عن مقالتهم المردودة بقوله : { فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون } [ الطور : 29 ] للانتقال إلى مقالة أخرى وهي قولهم : « هو شاعر نتربص به ريب المنون » . وعدل عن الإِتيان بحرف ( بل ) مع أنه أشهر في الإِضراب الانتقالي ، لقصد تضمن { أم } للاستفهام . والمعنى : بل أيقولون شاعر الخ . والاستفهام المقرّر إنكاري .

ومناسبة هذا الانتقال أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالدوام على التذكير يُشير إلى مقالاتهم التي يردون بها دعوته فلما أشير إلى بعضها بقوله تعالى : { فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون } [ الطور : 29 ] انتقل إلى إبطال صفة أخرى يثلثون بها الصفتين المذكورتين قبلها وهي صفة شاعر .

روى الطبري عن قتادة قال قائلون من الناس : تربصوا بمحمد صلى الله عليه وسلم الموت يكفيكموه كما كفاكم شاعرَ بني فلان وشاعر بني فلان ، ولم يعينوا اسم الشاعر ولا أنه كان يهجو كفار قريش .

وعن الضحاك ومجاهد : أن قريشاً اجتمعوا في دار الندوة فكثرت آراؤهم في محمد صلى الله عليه وسلم فقال بنو عبد الدار : هو شاعر تربصوا به ريب المنون ، فسيهلك كما هلك زهير والنابغة والأعشى ، فافترقوا على هذه المقالة ، فنزلت هذه الآية فحكت مقالتهم كما قالوها ، أي فليس في الكلام خصوص ارتباط بين دعوى أنه شاعر ، وبين تربص الموت به لأن ريب المنون يصيب الشاعر والكاهن والمجنون . وجاء { يقولون } مضارعاً للدّلالة على تجدد ذلك القول منهم . والتربص مبالغة في : الرَّبْص ، وهو الانتظار .

والريب هنا : الحدثان ، وفسر بصرف الدهر ، وعن ابن عباس : ريب في القرآن شك إلا مكاناً واحداً في الطور { ريب المنون } .

والباء في { به } يجوز أن تكون للسبب ، أي بسببه ، أي نتربص لأجله فتكون الباء متعلقة ب { نتربص } ويجوز أن تكون للملابسة وتتعلق ب { ريب المنون } حالاً منه مقدمة على صاحبها ، أي حلول ريب المنون به .

والمنون : من أسماء الموت ومن أسماء الدهر ، ويذكّر . وقد فُسر بكلا المعنيين ، فإذا فسر بالموت فإضافة { ريب } إليه بيانية ، أي الحدثان الذي هو الموت وإذا فسر المنون بالدهر فالإِضافة على أصلها ، أي أحداث الدهر من مثل موت أو خروج من البلد أو رجوع عن دعوته ، فريب المنون جنس وقد ذكروا في مقالتهم قولهم : فسيهلك ، فاحتملت أن يكونوا أرادوه بيانَ ريب الموت أو إن أرادوه مثالاً لريب الدهر ، وكلا الاحتمالين جار في الآية لأنها حكت مقالتهم .

وقد ورد { ريب المنون } في كلام العرب بالمعنيين ؛ فمن وروده في معنى الموت قول أبي ذؤيب :

أمن المنون وريبها تتوجع *** والدهر ليس بمعتب من يجزع

ومن وروده بمعنى حدثنان الدهر قول الأعشى :

أإن رأت رجلاً أعشى أضرَّ بِهِ *** ريبُ المنونِ ودهرٌ مُتبِل خَبِلُ

أراد أضرّ بذاته حدَثان الدهر ، ولم يرد إصابة الموت كما أراد أبو ذؤيب .

ولما كان انتفاء كونه شاعراً أمراً واضحاً يكفي فيه مجردُ التأمل لم يتصد القرآن للاستدلال على إبطاله وإنما اشتملت مقالتهم على أنهم يتربصون أن يحلّ به ما حلّ بالشعراء الذين هم من جملة الناس .

فأمر الله تعالى نبيئه صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم عن مقالتهم هذه بأن يقول : { تربصوا فإنى معكم من المتربصين } [ الطور : 31 ] ، وهو جواب منصف لأن تربص حلول حوادث الدهر بأحد الجانيين أو حلول المنية مشترك الإِلزام لا يدري أحدنا ماذا يحل بالآخر .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَمۡ يَقُولُونَ شَاعِرٞ نَّتَرَبَّصُ بِهِۦ رَيۡبَ ٱلۡمَنُونِ} (30)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"أمْ يَقُولُونَ شاعِر نَتَرَبّصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ "يقول جلّ ثناؤه: بل يقول المشركون يا محمد لك: هو شاعر نتربص به حوادث الدهر، يكفيناه بموت أو حادثة متلفة... وقال بعضهم: هو الموت... عن ابن عباس أن قريشا لما اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم قال قائل منهم: احبسوه في وثاق، ثم تربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك مَن قبله من الشّعراء زُهير والنابغة، إنما هو كأحدهم، فأنزل الله في ذلك من قولهم: "أمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبّصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ"...

وقال آخرون: معنى ذلك: ريب الدنيا، وقالوا: المنون: الموت...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ثم لمّا عجزوا عن مقابلة ما أتاهم من الحجج قالوا: {نتربّص به ريب المَنُون} أي عن قريب يرجعون إلى ديننا وإلى ما نحن فيه، وكانوا يقولون للضعفاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن محمدا يموت، ويصير الأمر لنا، وترجعون إلينا...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

والمنون: المنية، وريبها: الحوادث التي تريب عند مجيئها...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

وريب المنون: ما يقلق النفوس ويشخص بها من حوادث الدهر...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

...

...

...

...

...

...

....

المسألة الثالثة: ما وجه تعلق قوله {نتربص به ريب المنون} بقوله {شاعر}؟ نقول فيه وجهان:

(الأول) أن العرب كانت تحترز عن إيذاء الشعراء وتتقي ألسنتهم، فإن الشعر كان عندهم يحفظ ويدون، وقالوا لا نعارضه في الحال مخافة أن يغلبنا بقوة شعره، وإنما سبيلنا الصبر وتربص موته.

(الثاني) أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول إن الحق دين الله، وإن الشرع الذي أتيت به يبقى أبد الدهر وكتابي يتلى إلى قيام الساعة، فقالوا ليس كذلك إنما هو شاعر، والذي يذكره في حق آلهتنا شعر ولا ناصر له وسيصيبه من بعض آلهتنا الهلاك فنتربص به ذلك.

المسألة الرابعة: ما معنى ريب المنون؟ نقول قيل هو اسم للموت فعول من المن وهو القطع والموت قطوع، ولهذا سمي بمنون، وقيل المنون الدهر، وريبه حوادثه، وعلى هذا قولهم {نتربص} يحتمل وجها آخر، وهو أن يكون المراد أنه إذا كان شاعرا فصروف الزمان ربما تضعف ذهنه وتورث وهنه فيتبين لكل فساد أمره وكساد شعره...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{أم يقولون} ما هو أعجب في مجرد قوله فضلاً عن تكريره، فأم معادلة للاستفهام قبلها لا مقطوعة، وكذا جميع ما بعدها وهو معنى ما نقله البغوي عن الخليل أنه قال: ما في سورة الطور من ذكر "أم " كله استفهام وليس بعطف...

{شاعر} يقول كلاماً موزوناً بالقصد، يلزمه التكلف لذلك فيغلب إلزام الوزن قائله حتى يجعل اللفظ هو الأصل ويجعل المعنى تابعاً له، فيأتي كثير من كلامه ناقص المعاني هلهل النسج مغلوباً فيه على أمره معترفاً إذا وقف عليه بتقصيره متعذراً مما زانه به زعم من أوزانه، وساق سبحانه هذا وكذا ما بعده من الأقسام على طريق الاستفهام مع أن نسبتها إليهم محققة، تنبيهاً على أن مثل هذا لا يقوله عاقل، وإن قاله أحد لم يكد الناقل عنه يصدق: {نتربص} أي ننتظر {به ريب المنون} أي حوادث الدهر من الموت وغيره القاطعة، من المن وهو القطع...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والمعنى: بل أيقولون شاعر الخ. والاستفهام المقرّر إنكاري. ومناسبة هذا الانتقال أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالدوام على التذكير يُشير إلى مقالاتهم التي يردون بها دعوته فلما أشير إلى بعضها بقوله تعالى: {فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون} [الطور: 29] انتقل إلى إبطال صفة أخرى يثلثون بها الصفتين المذكورتين قبلها وهي صفة شاعر...

والمنون: من أسماء الموت ومن أسماء الدهر... وقد فُسر بكلا المعنيين، فإذا فسر بالموت فإضافة {ريب} إليه بيانية، أي الحدثان الذي هو الموت وإذا فسر المنون بالدهر فالإِضافة على أصلها، أي أحداث الدهر من مثل موت أو خروج من البلد أو رجوع عن دعوته، فريب المنون جنس وقد ذكروا في مقالتهم قولهم: فسيهلك، فاحتملت أن يكونوا أرادوه بيانَ ريب الموت أو إن أرادوه مثالاً لريب الدهر، وكلا الاحتمالين جار في الآية لأنها حكت مقالتهم. ولما كان انتفاء كونه شاعراً أمراً واضحاً يكفي فيه مجردُ التأمل لم يتصد القرآن للاستدلال على إبطاله وإنما اشتملت مقالتهم على أنهم يتربصون أن يحلّ به ما حلّ بالشعراء الذين هم من جملة الناس. فأمر الله تعالى نبيئه صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم عن مقالتهم هذه بأن يقول: {تربصوا فإني معكم من المتربصين} [الطور: 31]، وهو جواب منصف لأن تربص حلول حوادث الدهر بأحد الجانيين أو حلول المنية مشترك الإِلزام لا يدري أحدنا ماذا يحل بالآخر.