فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَمۡ يَقُولُونَ شَاعِرٞ نَّتَرَبَّصُ بِهِۦ رَيۡبَ ٱلۡمَنُونِ} (30)

{ أم يقولون شاعر ؟ } أم هي المنقطعة وقد تقدم الخلاف ، هل هي مقدرة ببل والهمزة أو ببل وحدها ، قال الخليل : هي هنا للاستفهام ، وقال سيبويه : خوطب العباد بما جرى في كلامهم ، قال النحاس : يريد سيبويه أن أم في كلام العرب للخروج من حديث إلى حديث ، أي لا ينبغي منهم هذا القول ولا يليق ، قال الكواشي : وإنما قدرت ببل لأن ما بعدها متيقن ، وما بعد أم مشكوك فيه ، مسؤول عنه ، وذكرت أم هنا خمس عشرة مرة ، وكلها إلزامات ليس للمخاطبين بها عنها جواب ، لكن قال الثعلبي نقلا عن الخليل : إن كل ما سورة الطور من أم فهو استفهام ، وليس بعطف ، وإنما استفهم تعالى مع علمه بهم تقبيحا عليهم ، وتوبيخا لهم ، كقول الشخص لغيره : أجاهل أنت ؟ مع علمه بجهله .

{ نتربص به } بإسناد الفعل إلى جماعة المتكلمين ، وقرئ على البناء للمفعول نعت لشاعر ، وقد كانت العرب تتحرز عن أذية الشاعر ، فقالوا : لا نعارضه في الحال مخافة أن يغلبنا بقوة شعره ، وإنما نتربص موته وهلاكه كما هلك من قبله من الشعراء { ريب المنون } أي صروف الدهر وحوادثه ، والمعنى ننتظر به حوادث الأيام ، فيموت كما مات غيره ، أو يهلك كما هلك من قبله ، والمنون يكون بمعنى الدهر ، ويكون بمعنى المنية لأنها تنقص العدد ، وتقطع المدد ، وسمي الدهر منونا لأنه يقطع الأجل ، وإطلاق الريب على الحوادث استعارة تصريحية شبهت بالريب ، أي الشك ، لأنها لا تدوم ولا تبق على حال ، كما أنه كذلك ، قال الأخفش : المعنى نتربص إلى ريب المنون ، فحذف حرف الجر ، كما تقول : قصدت زيدا أي إلى زيد ، قال الأصمعي : المنون واحد لا جمع له ، قال الفراء : يكون واحدا وجمعا ، وقال الأخفش : جمع لا واحد له .

قال ابن عباس : إن قريشا لما اجتمعوا إلى دار الندوة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال قائل : منهم : احبسوه في وثاق ، وتربصوا به المنون حتى يهلك ، كما هلك من قبله من الشعراء ، زهير والنابغة ، إنما هو كأحدهم ، فأنزل الله في ذلك هذه الآية . وقال ابن عباس : ريب المنون الموت ،