قوله تعالى : { فطوعت له نفسه قتل أخيه } ، أي : طاوعته وشايعته وعاونته { قتل أخيه } ، في قتل أخيه ، وقال مجاهد : فشجعته ، وقال قتادة : فزينت له نفسه ، وقال يمان : سهلت له ذلك ، أي : جعلته سهلاً . تقديره : صورت له نفسه أن قتل أخيه طوع له ، أي سهل عليه ، فقتله ، فلما قصد قابيل قتل هابيل لم يدر كيف يقتله ، قال ابن جريج : فتمثل له إبليس ، وأخذ طيراً ، فوضع رأسه على حجر ، ثم شدخ رأسه بحجر آخر ، وقابيل ينظر إليه فعلمه القتل ، فرضخ قابيل رأسه هابيل بين حجرين ، قيل : قتل وهو مستسلم ، وقيل : اغتاله وهو في النوم ، فشدخ رأسه فقتله ، وذلك قوله تعالى : { فقتله فأصبح من الخاسرين } ، وكان لهابيل يوم قتل عشرون سنة . واختلفوا في موضع قتله قال ابن عباس رضي الله عنهما : على جبل ثور ، وقيل عند عقبة حراء ، فلما قتله تركه بالعراء ، ولم يدر ما يصنع به ، لأنه كان أول ميت على وجه الأرض من بني آدم ، وقصدته السباع ، فحمله في جراب على ظهره أربعين يوماً ، وقال ابن عباس : سنةً ، حتى أروح ، وعكفت عليه الطير والسباع تنتظر متى يرمي به فتأكله ، فبعث الله غرابين فاقتتلا ، فقتل أحدهما صاحبه ، ثم حفر له بمنقاره وبرجله حتى مكن له ثم ألقاه في الحفرة وواراه ، وقابيل ينظر إليه .
قراءة الجمهور { فطوعت } والمعنى أن القتل في ذاته مستصعب عظيم على النفوس ، فردته هذه النفس اللجوجة الأمارة بالسوء طائعاً منقاداً حتى واقعه صاحب هذه النفس{[4511]} ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن والجراح والحسن بن عمران وأبو واقد «فطاوعت » والمعنى كأن القتل يدعو إلى نفسه بسبب الحقد والحسد الذي أصاب قابيل ، وكأن النفس تأبى لذلك ويصعب عليها ، وكل جهة تريد أن تطيعها الأخرى ، إلى أن تفاقم الأمر وطاوعت النفس القتل فواقعته ، وروي أنه التمس الغرة في قتله حتى وجده نائماً في غنمه فشدخ رأسه بحجر ، وروي أنه جهل كيف يقتله فجاء إبليس بطائر أو حيوان غيره فجعل يشدخ رأسه بين حجرين ليقتدي به قابيل ففعل ، وروي أنه لما انصرف قابيل إلى آدم قال له أين هابيل قال لا أدري كأنك وكلتني بحفظه فقال له آدم أفعلتها والله إن دمه ليناديني من الأرض ، اللهم العن أرضاً شربت دم هابيل ، فروي أنه من حينئذ ما شربت أرض دماً ، ثم أن آدم صلى الله عليه وسلم بقي مائة عام لم يبتسم حتى جاء ملك فقال له حياك الله يا آدم وبياك فقال آدم : ما بياك ؟ قال أضحكك . ويروى أن آدم عليه السلام قال حينئذ :
تغيرت البلادُ ومن عليها . . . فوجه الأرض مغبرٌّ قبيح
تغير كل ذي طعم ولون . . . وقل بشاشة الوجه المليح
وكذا هو الشعر بنصب بشاشة وكف التنوين ، وروي عن مجاهد أنه قال : علقت إحدى رجلي القاتل بساقها إلى فخذها من يومئذ إلى يوم القيامة ، ووجهه إلى الشمس حيث ما دارت ، عليه في الصيف حظيرة من نار ، وعليه في الشتاء حظيرة من ثلج .
فإن صح هذا فهو من خسرانه الذي تضمنه قوله تعالى : { فأصبح من الخاسرين } : ومن خسرانه ما روي عن عبد الله بن عمرو أنه قال إنّا لنجد ابن آدم القاتل يقاسم أهل النار قسمة صحيحة العذاب عليه شطر عذابهم ، ومن خسرانه ما ثبت وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «ما قتلت نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها{[4512]} ، وذلك أنه أول من سن القتل » وقوله : { فأصبح } عبارة عن جميع أوقاته ، أقيم بعض الزمن مقام كله ، وخصّ الصباح بذلك لأنه بدء النهار والانبعاث إلى الأمور ومطية النشاط ، ومنه قول الربيع بن ضبع :
أصبحت لا أحمل السلاح . . . البيت ،
ومنه قول سعد بن أبي وقاص ، ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام ، إلى غير ذلك من استعمال العرب لما ذكرناه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.