إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَطَوَّعَتۡ لَهُۥ نَفۡسُهُۥ قَتۡلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُۥ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (30)

{ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ } أي وسَّعَتْه وسهّلته ، من طاعَ له المرتَعُ إذا اتسع ، وترتيبُ التطويع على ما حُكي من مقالات هابيلَ مع تحققه قبلها أيضاً كما يُفصح عنه قولُه : { لأقْتُلَنَّكَ } لِما أن بقاءَ الفعل بعد تقرّر ما يُزيله من الدواعي القوية وإن كان استمراراً عليه بحسَب الظاهر ، لكنه في الحقيقة أمرٌ حادث وصُنع جديد ، كما في قولك : وعظتُه فلم يتَّعظ ، أو لأن هذه المرتبةَ من التطويع لم تكن حاصلةً قبلَ ذلك بناءً على تردُّده في قُدرته على القتل ، لما أنه كان أقوى منه . وإنما حصلت بعد وقوفه على استسلام هابيلَ وعدم معارضتِه له ، والتصريحُ بأُخوَّته لكمال تقبيحِ ما سوَّلته نفسُه . وقرئ ( فطاوعت ) على أنه فاعَلَ بمعنى فعل ، أو على أن قتل أخيه كأنه دعا نفسه إلى الإقدام عليه فطاوعته ولم تمتنع ، و( له ) لزيادة الربطِ كقولك : حفظتُ لزيد مالَه { فَقَتَلَهُ } قيل : ( لم يدر قابيلُ كيف يقتل هابيلَ ، فتمثل إبليسُ وأخذ طائراً ووضع رأسه على حجر ثم شدَخها بحجر آخرَ فتعلّم منه فرضخَ رأسَ هابيلَ بين حجرين وهو مستسلم لا يستعصي عليه ) ، وقيل : اغتالَه وهو نائم ، وكان لهابيلَ يوم قُتل عشرون سنة واختلف في موضِع قتلِه ، فقيل : عند عقبةِ حِراء ، وقيل : بالبصرة في موضع المسجدِ الأعظم ، وقيل : في جبل بود ، ولما قتله تركه بالعَراء لا يدري ما يصنع به فخاف عليه السباع فحمله في جِراب على ظهره أربعين يوماً ، وقيل : سنة ، حتى أروح{[164]} وعكفت عليه الطيور والسباع تنظر متى يرمي به فتأكلَه { فَأَصْبَحَ مِنَ الخاسرين } ديناً ودنيا .


[164]:أروح الشيء: أنتن.