غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَطَوَّعَتۡ لَهُۥ نَفۡسُهُۥ قَتۡلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُۥ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (30)

27

{ فطوّعت له نفسه قتل أخيه } وسعته ورخصته وسهلت من طاع له المرتع وأطاع إذا اتسع وله لأجل زيادة الربط كقول القائل : حفظت لزيد ماله . ومنهم من قال : شجعته فقتله . والتحقيق أن الإنسان يعلم أن القتل العمد العدوان من أعظم الذنوب فهذا الاعتقاد يكون صارفاً له عن فعله فلا يطاوع النفس الأمارة حتى إذا كثرت وساوسها انقاد لها وخضع . وإضافة التطويع والتمرين إلى النفس لا ينافي كون الكل مضافاً إلى قضاء الله فتنبه . يحكى أنّ قابيل لم يدر كيف يقتل هابيل فظهر له إبليس وأخذ طيراً وضرب رأسه بحجر فتعلّم قابيل ذلك منه .

ثم إنه وجد هابيل يوماً نائماً فضرب رأسه بصخرة فمات . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تقتل نفس ظلماً إلاّ كان على ابن آدم الأوّل كفل من دمها " ولذلك أنه أوّل من سن القتل { فأصبح من الخاسرين } دنياه وآخرته لأنه أسخط والديه وبقي مذموماً إلى يوم القيامة ثم يلقى في النار خالداً . قيل : لما قتل أخاه هرب من أرض اليمن إلى عدن فأتاه إبليس وقال له : إنما أكلت النار قربان هابيل لأنه كان يخدم النار ويعبدها . فبنى بيت نار وهو أوّل من عبد النار . وروي أن هابيل قتل وهو ابن عشرين سنة ، وكان قتله عند عقبة حراء . وقيل : بالبصرة في موضع المسجد الأعظم . وروي أنه لما قتله اسودّ جسده وكان أبيض فسأله آدم عن أخيه فقال : ما كنت عليه وكيلاً . فقال : بل قتلته ولذلك اسودّ جسدك . ومكث آدم بعده مائة سنة لم يضحك وإنه رثاه بشعر هو هذا :

تغيرت البلاد ومن عليها *** فوجه الأرض مغبر قبيح

تغير كل ذي طعم ولون *** وقل بشاشة الوجه المليح

قال في الكشاف : إنه كذب بحت وقد صح أن الأنبياء معصومون عن الشعر وصدّقه في التفسير الكبير وقال : إنّ ذلك من غاية الركاكة بحيث لا يليق بالآحاد فضلاً من الأفراد وخصوصاً من علمه حجة على الملائكة . وأقول : أما أن جميع الأنبياء معصومون عن الشعر فلعل دعوى العموم لا تمكن فيه وكأنه من خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولهذا أثنى الله تعالى عليه بقوله :{ وما علمناه الشعر وما ينبغي له }[ يس :69 ] وأما أنه من الركاكة بالحيثية المذكورة فمكابرة مع أن مقام البث والشكوى لا يحتمل الشعر المصنوع والله أعلم بحقيقة الحال .

/خ40