الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{فَطَوَّعَتۡ لَهُۥ نَفۡسُهُۥ قَتۡلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُۥ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (30)

أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { فطوّعت له نفسه قتل أخيه } قال : زيَّنت له نفسه .

وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة { فطوّعت له نفسه قتل أخيه } ليقتله ، فراغ الغلام منه في رؤوس الجبال ، فأتاه يوماً من الأيام وهو يرعى غنماً له وهو نائم ، فرفع صخرة فشدخ بها رأسه فمات ، فتركه بالعراء ولا يدري كيف يدفن ، فبعث الله غرابين أخوين ، فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه ، فحفر له ثم حثا عليه التراب ، فلما رآه قال : يا ويلتا ، أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب .

وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال : ابن آدم الذي قتل أخاه لم يدر كيف يقتله ، فتمثل له إبليس في صورة طير ، فأخذ طيراً فوضع رأسه بين حجرين ، فشدخ رأسه فعلمه القتل . وأخرج عن مجاهد نحوه .

وأخرج ابن جرير عن خيثمة قال : لما قتل ابن آدم أخاه شفت الأرض دمه ، فلعنت ، فلم تشف الأرض دماً بعد .

وأخرج ابن عساكر عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « بدمشق جبل يقال له قاسيون فيه قتل ابن آدم أخاه » .

وأخرج ابن عساكر عن عمرو بن خبير الشعباني قال : كنت مع كعب الأحبار على جبل دير المران ، فرأى لجة سائلة في الجبل ، فقال : ههنا قتل ابن آدم أخاه ، وهذا أثر دمه جعله الله آية للعالمين .

وأخرج ابن عساكر من وجه آخر عن كعب قال : إن الدم الذي على جبل قاسيون هو دم ابن آدم .

وأخرج ابن عساكر عن وهب قال : إن الأرض نشفت دم ابن المقتول فلعن ابن آدم الأرض ، فمن أجل ذلك لا تنشف الأرض دماً بعد دم هابيل إلى يوم القيامة .

وأخرج نعيم بن حماد في الفتن عن عبد الرحمن بن فضالة قال : لما قتل قابيل هابيل مسح الله عقله ، وخلع فؤاده ، تائها حتى مات .

قوله تعالى : { فأصبح من الخاسرين } .

أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل » .

وأخرج ابن المنذر عن البراء بن عازب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما قتلت نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم قاتل الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل » .

وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن عمرو قال : إن أشقى الناس رجلاً لابن آدم الذي قتل أخاه ما سفك دم في الأرض منذ قتل أخاه إلى يوم القيامة إلا لحق به منه شيء وذلك أنه أول من سن القتل .

وأخرج الطبراني عن ابن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أشقى الناس ثلاثة : عاقر ناقة ثمود ، وابن آدم الذي قتل أخاه ما سفك على الأرض من دم إلا لحقه منه لأنه أول من سن القتل » .

وأخرج ابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمرو قال إنا لنجد ابن آدم القاتل يقاسم أهل النار قسمة صحيحة العذاب عليه شطر عذابهم .

وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت من طريق عبد الله بن دينار عن أبي أيوب اليماني عن رجل من قومه يقال له عبد الله ، أنه ونفراً من قومه ركبوا البحر وإن البحر أظلم عليهم أياماً ، ثم انجلت عنهم تلك الظلمة وهم قرب قرية . قال عبد الله : فخرجت ألتمس الماء وإذا أبواب مغلقة تجأجأ فيها الريح فهتفت فيها فلم يجبني أحد فبينا أنا على ذلك إذ طلع عليَّ فارسان ، فسألا عن أمري فأخبرتهما الذي أصابنا في البحر وأني خرجت أطلب الماء ، فقالا لي : اسلك في هذه السكة فإنك ستنتهي إلى بركة فيها ماء فاستق منها ولا يهولنك ما ترى فيها . فسألتهما عن تلك البيوت المغلقة التي تجأجئ فيها الريح ، فقالا : هذه بيوت أرواح الموتى ، فخرجت حتى انتهيت إلى البركة فإذا فيها رجل معلق منكوس على رأسه ، يريد أن يتناول الماء بيده فلا يناله ، فلما رآني هتف بي وقال : يا عبد الله ، اسقني فغرفت بالقدح لأناوله فقبضت يدي فقلت : أخبرني من أنت ؟ فقال : أنا ابن آدم أول من سفك دماً في الأرض .