فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَطَوَّعَتۡ لَهُۥ نَفۡسُهُۥ قَتۡلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُۥ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (30)

{ فطوعت له نفسه } أي سهلت نفسه عليه الأمر وشجعته وزينت له وصورت له أن { قتل أخيه } طوع يده سهل عليه ، يقال تطوع الشيء أي سهل وانقاد ، وطوعه فلان أي سهله ، قال الهروي ، طوعت وطاوعت واحد ، يقال طاع له كذا إذا تاه طوعا ، وفي ذكر تطويع نفسه له بعدما تقدم من قول قابيل لأقتلنك ، وقول هابيل لتقتلني ، دليل على أن التطويع لم يكن قد حصل له عند تلك المقاولة .

{ فقتله } قال ابن جريج ومجاهد وغيرهما : روي أنه جهل كيف يقتل أخاه فجاءه إبليس بطائر أو حيوان غيره فجعل يشد رأسه بين حجرين ليقتدي به قابيل ففعل وقيل غير ذلك مما يحتاج إلى تصحيح الرواية .

أخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في الآية قالوا : فطلبه ليقتله فراغ الغلام منه في رؤوس الجبال فأتاه يوما من الأيام وهو يرعى غنما وهو نائم فرفع صخرة فشدخ بها رأسه فمات فتركه بالعراء ولا يعلم كيف يدفنه .

وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقتل نفسا ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل ) {[624]} .

واختلف في موضع قتله فقال ابن عباس : على جبل نود ، وقيل على عقبة حراء وقيل بالبصرة عند مسجدها الأعظم ، وكان عمر هابيل يوم قتل عشرين سنة .

{ فأصبح من الخاسرين } قال ابن عباس : خسر دنياه وآخرته ، أما دنياه فأسخط والديه وبقي بلا أخ وأما آخرته فأسخط ربه وصار إلى النار .


[624]:مسلم1677-البخاري1575.