فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{فَطَوَّعَتۡ لَهُۥ نَفۡسُهُۥ قَتۡلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُۥ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (30)

{ فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين } فسهلت نفس القاتل للقاتل أمر إزهاق روح أخيه ، وصورت له أن قتل أخيه طوع يسير ؛ - وفي ذكر تطويع نفسه له بعدها تقدم من قول قابيل : { لأقتلنك } ، وقول هابيل : { لتقتلني } دليل على أن التطويع لم يكن قد حصل له عند تلك المقاولة-( {[1727]} ) ؛ فصار بقتل أخيه خاسرا ، فاته الكثير من ربح الدنيا ، إذ أهلك أخاه ، وفجع أهله ، وسن القتل ؛ ومن المعلوم أن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها ؛ وخسرانه في الآخرة لا يقادر قدره ؛ وهكذا ففي الآيات الكريمات تقبيح للحسد ، وتحذير منة سوء عاقبة الحاسد في عاجله وآجله ، حتى لقد يبلغ به هذا الداء أن يهلك نفسه بقتل أقرب الناس إليه قرابة ، وأولاهم بالحنو عليه ، ورفع الضر إذا نزل به ؛ وفي الأجل يأكل الحسد حسنات الحاسد كما تأكل النار الحطب ؛ بل وفي الآيات المباركات وعيد للغادرين الغاوين ، ووعد للمتقين المصلحين ؛ فإن التقى المصلح وإن بغي عليه منصور ، إن فاته نصر الدنيا ، فحسبه ما أعد الله له في العقبى ، والغادر الجائر بغيه على نفسه ؛ يقول أبو جعفر : يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واتل على هؤلاء اليهود الذين هموا أن يبسطوا أيديهم إليكم ، عليك وعلى أصحابك معك ، وعرفهم مكروه عاقبة الظلم والمكر ، وسوء مغبة الجور ونقض العهد ، وما جزاء الناكث ، وثواب الوافي خبر ابني آدم هابيل وقابيل ، وما آل إليه أمر المطيع منهما ربه ، الوافي بعهده ، وما إليه صار أمر العاصي منهما ربه ، الجائر الناقض عهده ، فلتعرف بذلك اليهود وخامة غب عدوانهم ، ونقضهم ميثاقهم بينك وبينهم ، وهمهم بما هموا به من بسط أيديهم إليك وإلى أصحابك ، فإن لك ولهم في حسن ثوابي وعظيم جزائي على الوفاء بالعهد الذي جازيت المقتول الوافي بعهده من ابني آدم ، وعاقبت به القاتل الناكث عهده عزاء جميلا . ا ه .


[1727]:من تفسير غرائب القرآن؛ وأقول: إذ مجيء الفاء بعد:{فطوعت} في القول الرباني الحكيم: {فقتله} بيان لأن القتل وقع إثر التطويع متصلا به، فالفاء للترتيب باتصال.