المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

31- فسنتفرغ لحسابكم يوم القيامة أيها الجن والإنس .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

قوله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان سنفرغ لكم } قرأ حمزة والكسائي : " سيفرغ " بالياء لقوله : { يسأله من في السماوات والأرض ويبقى وجه ربك وله الجوار } فأتبع الخبر . وقرأ الآخرون بالنون ، وليس المراد منه الفراغ عن شغل ، لأن الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن ، ولكنه وعيد من الله تعالى للخلق بالمحاسبة ، كقول القائل لأتفرغن لك ، وما به شغل ، وهذا قول ابن عباس والضحاك ، وإنما حسن هذا الفراغ لسبق ذكر الشأن . وقال آخرون : معناه : سنقصدكم بعد الترك والإمهال ونأخذ في أمركم ، كقول القائل للذي لا شغل له : قد فرغت لك . وقال بعضهم : إن الله وعد أهل التقوى وأوعد أهل الفجور ، ثم قال : سنفرغ لكم مما وعدناكم وأخبرناكم ، فنحاسبكم ونجازيكم وننجز لكم ما وعدناكم ، فنتم ذلك ويفرغ منه ، وإلى هذا ذهب الحسن ومقاتل . { أيها الثقلان } أي : الجن والإنس ، سميا ثقلين لأنهما ثقل على الأرض أحياء وأمواتاً ، قال الله تعالى : { وأخرجت الأرض أثقالها } ( الزلزلة-2 ) وقال أهل المعاني : كل شيء له قدر ووزن ينافس فيه فهو ثقل ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي " فجعلهما ثقلين إعظاماً لقدرهما . وقال جعفر بن محمد الصادق : سمي الجن والإنس ثقلين لأنهما مثقلان بالذنوب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

وقوله تعالى : { سنفرغ لكم أيها الثقلان } عبارة عن إتيان الوقت الذي قدر فيه وقضى أن ينظر في أمور عباده وذلك يوم القيامة ، وليس المعنى : أن ثم شغلاً يتفرغ منه ، وإنما هي إشارة وعيد ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ِلَأَزِّب العقبة :«لأفرغن لك يا خبيث » والتفرغ من كل آدمي حقيقة .

وفي قوله تعالى : { سنفرغ لكم } جرى على استعمال العرب ، ويحتمل أن يكون التوعد بعذاب في الدنيا والأول أبين .

وقرأ نافع وابن كثير وعاصم وأبو عمرو وابن عامر : «سنفرُغ » بضم الراء{[10826]} وبفتح النون . وقرأ الأعرج وقتادة : ذلك بفتح الراء والنون ، ورويت عن عاصم ، ويقال فرغ بفتح الراء وفرغ بكسرها . ويصح منهما جميعاً أن يقال يفرغ بفتح الراء وقرأ عيسى بفتح النون وكسر الراء . وقال أبو حاتم : هي لغة سفلى مضر ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي : بالياء المفتوحة ، قرأ حمزة والكسائي : بضم الراء . وقرأ أبو عمرو : بفتحها . وقرأ الأعمش بخلاف ، وأبو حيوة : «سيُفرَغ » بضم الياء وفتح الراء وبناء الفعل للمفعول . وقرأ عيسى بن عمر أيضاً : «سنَفرِغ » ، بفتح النون وكسر الراء . وفي مصحف عبد الله بن مسعود : «سنفرغ لكم أيها » .

و { الثقلان } الإنس والجن ، ويقال لكل ما يعظم أمره ثقل ، ومنه :

{ وأخرجت الأرض أثقالها }{[10827]} [ الزلزلة : 2 ] . وقال النبي عليه السلام : «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي »{[10828]} . ويقال لبيض النعام ثقل . وقال لبيد : [ الكامل ]

فتذكرا ثقلاً رئيداً بعدما . . . ألقت ذكاء يمينها في كافر{[10829]}

وقال جعفر بن محمد الصادق{[10830]} رضي الله عنه : سمي الإنس والجن ثقلين ، لأنهما ثقلا بالذنوب وهذا بارع ينظر إلى خلقهما من طين ونار .

وقرأ ابن عامر : «أيُّهُ الثقلان » بضم الهاء .


[10826]:في الأصول:"بضم النون والراء"، والتصويب عن كتب القراءة والتفسير.
[10827]:الآية (2) من سورة (الزلزلة).
[10828]:أخرج هذا الحديث مسلم في فضائل الصحابة، والدارمي في فضائل القرآن، وأحمد في مسنده(3-14، 17، 36، 59)، ولفظه كما في مسند أحمد، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعِترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)، وفي رواية أخرى ذكرها أيضا أحمد في مسنده زيادة في أول الحديث هي قوله صلى الله عليه وسلم:(إني أوشك أن أدعى فأجيب)، وزيادة في آخره هو قوله:(فانظروا بم تخلفوني فيهما).
[10829]:هذا أول بيت قاله ثعلبة بن صُعير المازني يذكر الظليم والنعامة، وليس من شعر لبيد، وقد قال ثعلبة هذا البيت من قصيدة يذكر فيها حبيبته عمرة، وكيف وعدته ثم أخلفت وعدها، فتركها وسافر على ناقة شبهها بالظليم-وهو ذكر النعام- ثم استطرد يصف الناقة، والبيت بتمامه كما ذكره صاحب اللسان: فتذكرا ثقلا رئيدا بعدما ألقت ذكاء يمينها في كافر ورواية البيت كما ذكرها المُفضل الضبي في المُفضليات:"فتذكرت ثقلا..." يعني النعامة التي يشبه بها ناقته، والثَّقل: المتاع وكل شيء مصون، وهو يريد هنا بيضها. والرئيد: المنضود بعضه فوق بعض، وذُكاء-بضم الذال-: الشمس، والكافر: الليل؛ لأنه يغطي ويستر بظلمته كل شيء، وكل ما غطى شيئا فقد ستره وكفره، ومعنى"ألقت يمينها في كافر" مالت للمغيب، أو تهيأت له.
[10830]:هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو عبد الله، المعروف بالصادق، صدوق فقيه، إمام، من السادسة، مات سنة ثمان وأربعين.(تقريب التهذيب).