فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

{ سنفرغ لكم أيه الثقلان } هذا وعيد شديد من الله سبحانه ، للجن والإنس ، قال القرطبي : يقال : فرغت من الشغل أفرغ فراغا وفروغا وتفرغت لكذا ، واستفرغت مجهودي في كذا أي بذلته ، قال الزجاج والكسائي وابن الأعرابي وأبو علي الفارسي : إن الفراغ ههنا ليس هو الفراغ من شغل ، لأن الله تعالى ليس له شغل يفرغ منه ، ولا يشغله شأن عن شأن ، ولكن تأويله القصد ، أي سنقصد لحسابكم أو مجازاتكم أو محاسبتكم .

قال الواحدي حاكيا عن المفسرين ومنهم ابن عباس : إن هذا تهديد من الله سبحانه لعباده ومن هذا قول القائل لمن يريد تهديده : إذن أتفرغ لك ، أي أقصد قصدك ، وفرغ يجيء بمعنى قصد ، قال الزجاج : إن الفراغ في اللغة على ضربين أحدهما الفراغ من الشغل والآخر القصد للشيء والإقبال عليه كما هنا ، ويكون الكلام على طريق التمثيل والاستعارة وقد ألم به صاحب المفتاح ونحا إليه الزمخشري وقيل : إن الله سبحانه وعد على التقوى ، وأوعد على المعصية ، ثم قال : سنفرغ لكم مما وعدناكم ، ونوصل كلا إلى ما وعدناه ، وبه قال الحسن ومقاتل وابن زيد .

قرأ الجمهور : سنفرغ بالنون وضم الراء وقرئ بالنون مع فتح الراء ، قال الكسائي : هي لغة تميم ، وقرئ بكسر النون وفتح الراء ، وقرئ بالياء التحتية مفتوحة مع ضم الراء ، أي سيفرغ الله ، وقرئ بضم الياء ؛ وفتح الراء ، وترسم أيه بغير ألف ، وأما في النطق فقرأ أبو عمرو والكسائي أيها بالألف في الوقف ، ووقف الباقون على الرسم أيه بتسكين الهاء ، وفي الوصل قرأ ابن عامر أيه بضم الهاء ، والباقون بفتحها ، وسمي الجن والإنس الثقلين لعظم شأنهما بالنسبة إلى غيرهما من حيوانات الأرض ، وقيل : سموا بذلك لأنهم ثقل على الأرض أحياء وأمواتا كما في قوله : { وأخرجت الأرض أثقالها } وقال جعفر الصادق : سميا ثقلين لأنهما مثقلان بالذنوب ، وقيل : لأنهما أثقلا وأتعبا بالتكاليف ، وجمع في قوله : { لكم } ، ثم قال : { أيه الثقلان } لأنهما فريقان ، وكل فريق جمع .