قوله تعالى : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " يقال : فرغت من الشغل أفرغ فروغا وفراغا وتفرغت لكذا واستفرغت مجهودي في كذا أي بذلته . والله تعالى ليس له شغل يفرغ منه ، إنما المعنى سنقصد لمجازاتكم أو محاسبتكم ، وهذا وعيد وتهديد لهم كما يقول القائل لمن يريد تهديده : إذا أتفرغ لك أي أقصدك . وفرغ بمعنى قصد ، وأنشد ابن الأنباري في مثل هذا لجرير :
ألاَنَ وقد فَرَغْتُ إلى نُمَيْرٍ *** فَهذَا حين كُنْتُ لها عَذابَا
يريد وقد قصدت . وقال أيضا{[14547]} وأنشده النحاس :
فَرَغْتُ إلى العبد المُقَيَّدِ في الحِجْلِ
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بايع الأنصار ليلة العقبة ، صاح الشيطان : يا أهل الجُبَاجِب{[14548]} ! هذا مُذَمَّمٌ يبايع بني قيلة على حربكم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هذا إِزْبُ{[14549]} العقبة أما والله يا عدو الله لأتفرغن لك " أي أقصد إلى إبطال أمرك . وهذا اختيار القتبي والكسائي وغيرهما . وقيل : إن الله تعالى وعد على التقوى وأوعد على الفجور ، ثم قال : " سنفرغ لكم " مما وعدناكم ونوصل كلا إلى ما وعدناه ، أي أقسم ذلك وأتفرغ منه . قاله الحسن ومقاتل وابن زيد . وقرأ عبدالله وأبي " سنفرغ إليكم " وقرأ الأعمش وإبراهيم " سيفرغ لكم " بضم الياء وفتح الراء على ما لم يسم فاعله . وقرأ ابن شهاب والأعرج " سنفرغ لكم " بفتح النون والراء ، قال الكسائي : هي لغة تميم يقولون فرغ يفرغ ، وحكى أيضا فرغ يفرغ ورواهما هبيرة عن حفص عن عاصم . وروى الجعفي عن أبي عمرو " سيفرغ " بفتح الياء والراء ، ورويت عن ابن هرمز . وروي عن عيسى الثقفي " سنفرغ لكم " بكسر النون وفتح الراء ، وقرأ حمزة والكسائي " سيفرغ لكم " بالياء . الباقون بالنون وهي لغة تهامة . والثقلان الجن والإنس ، سميا بذلك لعظم شأنهما بالإضافة إلى ما في الأرض من غيرهما بسبب التكليف - وقيل : سموا بذلك لأنهم ثقل على الأرض أحياء وأمواتا ، قال الله تعالى : " وأخرجت الأرض أثقالها{[14550]} " [ الزلزلة : 2 ] ومنه قولهم : أعطه ثقله أي وزنه . وقال بعض أهل المعاني : كل شيء له قدر ووزن ينافس فيه فهو ثقل . ومنه قيل لبيض النعام ثقل ؛ لأن واجده وصائده يفرح به إذا ظفر به . وقال جعفر الصادق : سُمّيَا ثقلين ، لأنهما مثقلان بالذنوب . وقال : " سنفرغ لكم " فجمع ، ثم قال : " أيه الثقلان " لأنهما فريقان وكل فريق جمع ، وكذا قوله تعالى : " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم " ولم يقل إن استطعتما ؛ لأنهما فريقان في حال الجمع ، كقوله تعالى : " فإذا هم فريقان يختصمون{[14551]} " [ النمل : 45 ] و " هذان خصمان اختصموا في ربهم{[14552]} " [ الحج : 19 ] ولو قال : سنفرغ لكما{[14553]} ، وقال : إن استطعتما لجاز . وقرأ أهل الشام " أيهُ الثقلان " بضم الهاء . الباقون بفتحها وقد تقدم{[14554]} .
مسألة : هذه السورة و " الأحقاف " و " قل أوحي " دليل على أن الجن مخاطبون مكلفون مأمورون منهيون مثابون معاقبون كالإنس سواء ، مؤمنهم كمؤمنهم ، وكافرهم ككافرهم ، لا فرق بيننا وبينهم في شيء من ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.