الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

{ سَنَفْرُغُ لَكُمْ } قرأ عبد الله وأبي ( سنفرغ اليكم ) ، وقرأ الاعمش بضم الياء وفتح الراء على غير تسمية ، وقرأ الأعرج بفتح النون والراء . قال الكسائي : هي لغة تميم ، وقرأ حمزة والكسائي وخلف بضم الياء وفتح الراء ، واختاره أبو عبيد اعتباراً بقوله : { يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } فاتبع الخبر الخبر ، وقرأ الباقون بفتح الياء وضم الراء ، واختاره أبو حاتم .

فإن قيل : إن الفراغ لا يكون إلاّ عن شغل والله تعالى لا يشغله شأن عن شأن . قلنا : اختلف العلماء في معنى هذه الآية فقال قوم : هذا وعيد وتهديد من الله سبحانه وتعالى لهم كقول القائل : لأتفرغنّ لك وما به شغل ، وهذا قول ابن عباس والضحاك ، وقال آخرون : معناه سنقصدكم بعد الترك والإمهال ونأخذ في أمركم ، وقد يقول القائل للذي لا شغل له : قد فرغت لي وفرغت لشتمي ، أي أخذت فيه وأقبلت عليه . قال جرير بن الخطفي :

ولما التقى القين العراقي بأسته *** فرغت إلى القين المقيّد بالحجل

أي قصدته بما يسوؤه ، وهذا القول اختيار الفندي والكسائي .

وقال بعضهم : إن الله سبحانه وعد على التقوى وأوعد على الفجور ، ثم قال : سنفرغ لكم مما أوعدناكم وأخبرناكم فنحاسبكم ونجازيكم ، وننجز لكم ما وعدناكم ، ونوصل كلا إلى ما عدناه ، فيتمّ ذلك ويفرغ منه ، وإلى هذا ذهب الحسن ومقاتل وابن زيد ، وقال ابن كيسان : الفراغ للفعل هو التوفر عليه دون غيره . { أَيُّهَ الثَّقَلاَنِ } أي الجن والإنس ، دليله قوله في عقبه { يمَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ } سمّيا ثقلين ؛ لأنهما ثقل أحياءً وأمواتاً ، قال الله سبحانه :

{ وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا } [ الزلزلة : 2 ] وقال بعض أهل المعاني : كل شيء له قدر ينافس فيه فهو ثقل ، ومنه قيل لبيض النعام : ثقل ؛ لأن واجده وصائده يفرح إذا ظفر به قال الشاعر :

فتذكّرا ثقلاً رثيداً بعدما *** ألقت ذكاءُ يمينها في كافر

وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي " فجعلهما ثقلين إعظاماً لقدرهما ، وقال جعفر الصادق : سمي الجن والانس ثقلين ؛ لأنهما مثقلان بالذنوب .