22- وكان الهدهد قد مكث في مكان غير بعيد زماناً غير مديد ، ثم جاء إلى سليمان يقول له : قد أحطت علماً بما لم يكن عندك علم به ، وجئتك من سبأ بخبر ذي شأن عظيم وهو مستيقن به{[167]} .
فقال الهدهد ما أخبر الله عنه في قوله : { فمكث }قرأ عاصم ، ويعقوب ( فمكث ) بفتح الكاف ، وقرأ الآخرون : بضمها وهما لغتان{ غير بعيد } أي : غير طويل ، { فقال أحطت بما لم تحط به } والإحاطة : العلم بالشيء من جميع جهاته ، يقول : علمت ما لم تعلم ، وبلغت ما لم تبلغه أنت ولا جنودك ، { وجئتك من سبإ } قرأ أبو عمرو ، والبزي عن ابن كثير من سبأ و لسبأ في سورة سبأ ، مفتوحة الهمزة ، وقرأ القواس عن ابن كثير : ساكنة بلا همز ، وقرأ الآخرون بالجر ، فمن لم يجره جعله اسم البلد ، ومن جره جعله اسم رجل ، فقد جاء في الحديث " أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن سبأ فقال : كان رجلاً له عشرة من البنين تيامن منهم ستة وتشاءم أربعة " . { بنبأ } بخبر ، { يقين } .
{ فمكث غير بعيد } زمانا غير مديد يريد به الدلالة على سرعة رجوعه خوفا منه ، وقرأ عاصم بفتح الكاف . { فقال أحطت بما لم تحط به } يعني حال سبأ ، وفي مخاطبته إياه بذلك تنبيه له على أن في أدنى خلق الله تعالى من أحاط علما بما لم يحط به لتتحاقر إليه نفسه ويتصاغر لديه علمه ، وقرئ بإدغام الطاء في التاء بإطباق وبغير إطباق . { وجئتك من سبأ } وقرأ ابن كثير برواية البزي وأبو عمرو غير مصروف على تأويل القبيلة والبلدة والقواس بهمزة ساكنة . { بنبأ يقين } بخبر متحقق روي أنه عليه الصلاة والسلام لما أتم بناء بيت المقدس تجهز للحج فوافى الحرم وأقام بها ما شاء ، ثم توجه إلى اليمن فخرج من مكة صباحا فوافى صنعاء ظهيرة فأعجبته نزاهة أرضها فنزل بها ثم لم يجد الماء -وكان الهدهد رائده لأنه يحسن طلب الماء- فتفقده لذلك فلم يجده إذ حلق حين نزل سليمان فرأى هدهدا واقعا فانحط الهي فتواصفا وطار معه لينظر ما وصف له ، ثم رجع بعد العصر وحكى ما حكى ، ولعل في عجائب قدرة الله وما خص به خاصة عباده أشياء أعظم من ذلك يستكبرها من يعرفها ويستنكرها من ينكرها .
وقرأ جمهور القراء ، «فمكُث » بضم الكاف ، وقرأ عاصم وحده «فمكَث » بفتحها ، ومعناه في القراءتين أقام ، والفتح في الكاف أحسن لأنها لغة القرآن في قوله { ماكثين }{[4]} [ الكهف : 3 ] إذ هو من مكَث بفتح الكاف ، ولو كان من مكُث بضم الكاف لكان جمع مكيث{[5]} ، والضمير في «مكث » يحتمل أن يكون لسليمان أو ل { الهدهد } ، وفي قراءة ابن مسعود «فتمكث ثم جاء فقال » وفي قراءة أبي بن كعب «فتمكث » ثم قال { أحطت } وقوله { غير بعيد } كما في مصاحف الجمهور يريد به في الزمن والمدة ، وقوله { أحطت } أي علمت علماً تاماً ليس في علمك ، واختلف القراء في { سبأ } ، فقرأ جمهور القراء «سبأ » بالصرف .
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «سبأ » بفتح الهمزة وترك الصرف ، وقرأ الأعمش «من سبإ » بالكسر وترك الصرف وروى ابن حبيب عن اليزيدي «سبا » بألف ساكنة ، وقرأ قنبل عن النبال بسكون الهمزة ، فالأولى على أنه اسم رجل وعليه قول الشاعر : [ البسيط ]
الواردون وتيم في ذرى سبإ . . . قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس{[6]}
وقال الآخر : «من سبأ الحاضرين مآرب »{[7]} ، وهذا على أنها قبيلة والثانية{[8]} على أنها بلدة ، قاله الحسن وقتادة ، وكلا القولين قد قيل ، ولكن روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث فروة بن مسيك وغيره أنه اسم رجل ولد عشرة من الولد تيامن منهم ستة ، وتشاءم أربعة{[9]} ، وخفي{[10]} هذا الحديث على الزجاج فخبط عشوى ، والثالثة على البناء والرابعة والخامسة لتوالي الحركات السبع فسكن تخفيفاً للتثقيل في توالي الحركات ، وهذه القراءة لا تبنى على الأولى بل هي إما على الثانية أو الثالثة .
وقرأت فرقة «بنبأ » وقرأت فرقة دون تنوين على الإضافة ، وقرأت فرقة «بنبا » بالألف مقصورة{[11]}