السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَمَكَثَ غَيۡرَ بَعِيدٖ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ وَجِئۡتُكَ مِن سَبَإِۭ بِنَبَإٖ يَقِينٍ} (22)

{ فمكث } أي : الهدهد ، وقوله تعالى : { غير بعيد } صفة للمصدر ، أي : مكثاً غير بعيد ، فلما قرب الهدهد منه رفع رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض تواضعاً لسليمان ، فلما دنا منه أخذ برأسه فمدّه إليه ، وقال له أين كنت ؟ لأعذبنك عذاباً شديداً فقال له الهدهد : يا نبيّ الله اذكر وقوفك بين يدي الله تعالى ، فلما سمع سليمان ذلك ارتعد وعفا عنه ، ثم سأله فقال ما الذي أبطأك عني { فقال أحطت } أي : علماً { بما لم تحط به } أي : أنت مع اتساع علمك وامتداد ملكك ، ألهم الله الهدهد فكافح سليمان بهذا الكلام على ما أوتي من فضل النبوّة والحكمة والعلوم الجمة والإحاطة بالمعلومات الكثيرة ابتلاء له في علمه ، وتنبيهاً له على أن في أدنى خلقه وأضعفه من أحاط علماً بما لم يحط به ، لتتحاقر إليه نفسه ويتصاغر إليه علمه ويكون لطفاً في ترك الإعجاب الذي هو فتنة العلماء والإحاطة بالشيء علماً أن يعلم من جميع جهاته لا يخفى منه معلوم ، قالوا : وفيه دليل على بطلان قول الروافضة أنّ الإمام لا يخفى عليه شيء ولا يكون في زمانه أحد أعلم منه ، وقيل : الضمير في مكث لسليمان ، وقيل : غير بعيد صفة للزمان أي : زماناً غير بعيد ، وقرأ عاصم بفتح الكاف ، والباقون بضمها ، وهما لغتان إلا أنّ الفتح أشهر ، { وجئتك } أي : الآن { من سبأ بنبأ } أي : خبر عظيم { يقين } أي : محقق ، وقرأ أبو عمرو والبزيّ سبأ بفتح الهمزة من غير تنوين ، جعلاه اسماً للقبيلة أو البقعة فمنعاه من الصرف للعلمية والتأنيث ، والباقون بالجر والتنوين جعلوه اسماً للحيّ أو المكان ، قال البغوي : وجاء في الحديث أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن سبأ فقال : «رجلاً كان له عشرة من البنين تيامن منهم ستة وتشاءم أربعة » .