معاني القرآن للفراء - الفراء  
{فَمَكَثَ غَيۡرَ بَعِيدٖ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ وَجِئۡتُكَ مِن سَبَإِۭ بِنَبَإٖ يَقِينٍ} (22)

وقوله : { فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ22 } قرأها الناس بالضمّ ، وقرأها عاصم بالفتح : فَمَكَثَ . وهي في قراءة عبد الله ( فتمكَّث ) ومعنى { غَيْرَ بَعِيدٍ } غير طويل من الإقامة . والبعيد والطويل مقاربان .

وقوله { فَقَالَ أَحَطتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ } قال بعض العرب : أحَطُّ فأدخل الطاء مكانَ التّاء . والعربُ إذا لقيت الطاء التاء فسكنت الطاء قبلها صيَّروا الطاء تاء ، فيقولون : أَحَتُّ ، كما يحوّلونَ الظاء تَاء في قوله { أَوَعَتَّ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الواعِظِينَ } والذالَ والدال تاء مثل { أَخَتُّمْ } ورأيتُها في بعض مصاحف عبد الله ( وأَخَتُّمْ ) ومن العرب من يُحَول التاء إذا كانت بعد الطاء طاء فيقول : أَحَط .

وقوله { وجئْتُكَ مِنْ سبَأ بِنَبإٍ يَقِينٍ } القراء على إجرَاء { سَبأ } لأنه - فيما ذكروا - رجل وكذلك فأَجْرِه إن كان اسما لجبل . ولم يُجْرِهِ أبو عمرو بنُ العلاء . وزعم الرؤامسيّ أنه سأل أبا عمرو عنه فقال : ليس أدرى ما هو . وقد ذهب مذهباً إذ لم يَدْر ما هو ؛ لأنَّ العرب إذا سمَّتْ بالاسم المجهول تركوا إجراءه كما قال الأعشى :

وتدفنُ منه الصَّالحاتُ وإن يُسئْ *** يكن ما أساء النارَ في رأس كَبْكَبا

136 ا فكأنه جهل الكبكَب . وسَمعت أبا السَفّاح السَّلولىَ يقول : هذا أبو صُعْرورَ قد جاء ، فلم يجره لأنه ليس من عادتهم في التسميَة .

قال الفرّاء : الصُعرور شبيه بالصَمْغ .

وقال الشاعر في إجْرائه :

الواردون وتيم في ذُرَا سَبَأٍ *** قد عضّ أعْناقَهم جلدُ الجواميسِ

ولو جَعلته اسما للقبيلة أن كانَ رجلا أو جعَلته اسما لما حَوله إن كان جبلاً لم تُجرِه أيضاً .