نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَمَكَثَ غَيۡرَ بَعِيدٖ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ وَجِئۡتُكَ مِن سَبَإِۭ بِنَبَإٖ يَقِينٍ} (22)

{ فمكث } أي فترتب على ذلك أنه مكث بعد الحلف بالتهديد زماناً قريباً { غير بعيد } من زمان التهديد ، وأتى خوفاً من هيبة سليمان عليه السلام ، وقياماً بما يجب عليه من الخدمة ، قرأه عاصم وروح عن يعقوب بفتح الكاف على الأغلب في الأفعال الماضية ، وضمه الجماعة إشارة إلى شدة الغيبة عن سليمان عليه السلام ليوافق إفهام حركة الكلمة ما أفهمه تركيب الكلام { فقال } عقب إتيانه مفخماً للشأن ومعظماً لرتبة العلم ودافعاً لما علم أنه أضمر من عقوبته : { أحطت } أي علماً { بما لم تحط به } أي أنت من اتساع علمك وامتداد ملكك ، والإحاطة : العلم بالشيء من جميع جهاته ، وفي هذه المكافحة التنبيه على أن أضعف الخلق قد يؤتي ما لا يصل إليه أقواهم لتتحاقر إلى العلماء علومهم ويردوا العلم في كل شيء إلى الله ، وفيه إبطال لقول الرافضة : إن الإمام لا يخفى عليه شيء ، ولا يكون في زمانه من هو أعلم منه .

ولما أبهمه تشويقاً ، وأخذ بمجامع القلب إلى تعرفه ، ثنى بمدح الخبر مجلياً بعض إبهامه ، هزاً للنفس إلى طلب إتمامه ، فقال : { وجئتك } أي الآن { من سبإ } قيل : إنه اسم رجل صار علماً لقبيلة ، وقيل : أرض في بلاد اليمن ، وحكمة تسكين قنبل له بنية الوقف الإشارة إلى تحقير أمرهم بالنسبة إلى نبي الله سليمان عليه السلام بأنهم ليست لهم معه حركة أصلاً على ما هم فيه من الفخامة والعز والبأس الشديد { بنبإ } أي خبر عظيم { يقين* } وهو من أبدع الكلام موازنة في اللفظ ومجانسة في الخط مع ما له من الانطباع والرونق ،