{ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ( 22 ) إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ( 23 ) وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ( 24 ) }
{ فمكث } بفتح الكاف من باب نصر ، وقرئ بضم الكاف من باب قرب سيبويه : مكث مكوثا كقعد يقعد قعودا ، أي مكث الهدهد بعد تفقد سليمان إياه زمانا { غير بعيد } وقيل : إن الضمير في مكث سليمان ، والمعنى بقي سليمان بعد التفقد والتوعد زمانا غير طويل ، والأول أولى .
{ فقال : أحطت بما لم تحط به } الإحاطة : العلم بالشيء من جميع جهاته ، حتى لا يخفى عليه معلوم ، ولعل في الكلام حذفا ، والتقدير فمكث الهدهد غير بعيد ، فجاء فعوتب على مغيبه ، فقال معتذرا عن ذلك : أحطت بما لم تحط به . قال الفراء : ويقال : أحت بإدغام الطاء في التاء ، والمعنى علمت ما لم تعلمه من الأمر ، وبلغت ما لم تبلغ أنت ولا جنودك . وقال ابن عباس اطلعت على ما لم تطلع عليه .
وقد ألهم الله الهدهد هذا الكلام ، فكافح سليمان به مع ما أوتي من فضل النبوة ، والعلوم الجمة : إبتلاء له في علمه ، وتنبيها على أن أدنى جنده قد أحاط علما بما لم يحط به ليكون لطفا به في ترك الإعجاب وإنما أخفى الله على يوسف مكانها ، وكانت المسافة بينهما قريبة لمصلحة رآها ، كما أخفى مكان يوسف على يعقوب . وفيه دليل على مبطلان قول الرافضة : إن الإمام لا يخفى عليه شيء ، ولا يكون في زمانه أحد أعلم منه .
{ وجئتك من سبأ } قرئ بالصرف على أنه اسم رجل نسب إليه قوم ، وقرئ بفتح الهمزة وترك الصرف على أنه اسم مدينة ، وأنكر الزجاج إن يكون اسم رجل ، وقال : سبأ اسم مدينة بمأرب اليمن . وقيل : هو اسم امرأة سميت بها المدينة .
قال القرطبي : والصحيح أنه اسم رجل كما في كتاب الترمذي ، من حديث فروة بن مسيك المرادي ، قال ابن عطية : وخفي على الزجاج فخبط عشواء .
وزعم الفراء أن الرؤاسي سأل عمرو بن العلاء عن سبأ فقال : ما أدري ما هو ؟ قال النحاس : وأبو عمر من أن يقول هذا ، والقول في سبأ ما جاء التوقيف فيه أنه في الأصل اسم رجل ، فإن صرفته فلأنه قد صار اسما للحي ، وإن لن تصرفه جعلته اسما للقبيلة ، مثل ثمود ، إلا أن الاختيار عند سيبويه الصرف ، انتهى .
وأقول : لا شك أن سبأ اسم لمدينة باليمن ، كانت فيها بلقيس ، وهو أيضا اسم رجل من قحطان ، وهو سبأ من يشحب بن يعرب بن قحطان بن هود ، ولكنه المراد هنا : أن الهدهد جاء سليمان بخبر ما عاينه في مدينة سبأ مما وصفه ، وسيأتي في المأثور ما يوضح هذا ويؤيده ، وعن ابن عباس قال : سبأ بأرض اليمن ، ويقال لها : مأرب ، بينهما وبين صنعاء مسيرة ثلاث ليل والمعنى أن الهدهد جاء سلمان من هذه المدينة .
{ بنبإ يقين } النبأ : هو الخبر الخطير الشأن ، وهذا من محاسن الكلام ، ويسمى البديع ، وقد حسن وبدع لفظا ومعنى ههنا ، ألا ترى أنه لو وضع مكان بنبأ بخبر لكان المعنى صحيحا ، وهو كما جاء أصح لما في النبإ من الزيادة التي يطابقها وصف الحال ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.