{ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ } أي الهدهد مكث زماناً غير بعيد . قرأ الجمهور { مكث } بضم الكاف ، وقرأ عاصم وحده بفتحها ، ومعناه في القراءتين : أقام زماناً غير بعيد . قال سيبويه : مكث يمكث مكوثاً كقعد يقعد قعوداً . وقيل إن الضمير في مكث لسليمان . والمعنى : بقي سليمان بعد التفقد والتوعد زماناً غير طويل ، والأوّل أولى { فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } أي علمت ما لم تعلمه من الأمر ، والإحاطة العلم بالشيء من جميع جهاته ، ولعلّ في الكلام حذفاً ، والتقدير : فمكث الهدهد غير بعيد ، فجاء ، فعوتب على مغيبه ، فقال معتذراً عن ذلك { أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } . قال الفراء : ويجوز إدغام التاء في الطاء ، فيقال : أحطّ ، وإدغام الطاء في التاء فيقال : أحتّ { وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } قرأ الجمهور { من سبأ } بالصرف على أنه اسم رجل ، نسب إليه قوم ، ومنه قول الشاعر :
الواردون وتيم في ذرى سبأ *** قد غضّ أعناقهم جلد الجواميس
وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو بفتح الهمزة ، وترك الصرف على أنه اسم مدينة ، وأنكر الزجاج أن يكون اسم رجل ، وقال : سبأ اسم مدينة تعرف بمأرب اليمن بينها وبين صنعاء ثلاثة أيام . وقيل : هو اسم امرأة سميت بها المدينة . قال القرطبي : والصحيح أنه اسم رجل كما في كتاب الترمذي من حديث فروة ابن مسيك المرادي . قال ابن عطية : وخفي هذا على الزجاج ، فخبط خبط عشواء . وزعم الفراء : أن الرؤاسي سأل أبا عمرو بن العلاء عن سبأ ، فقال : ما أدري ما هو ؟ قال النحاس : وأبو عمرو أجلّ من أن يقول هذا ، قال : والقول في سبأ ما جاء التوقيف فيه أنه في الأصل اسم رجل ، فإن صرفته ، فلأنه قد صار اسماً للحيّ ، وإن لم تصرفه جعلته اسماً للقبيلة مثل ثمود ، إلاّ أن الاختيار عند سيبويه الصرف . انتهى .
وأقول : لا شك أن سبأ اسم لمدينة باليمن كانت فيها بلقيس ، وهو أيضاً اسم رجل من قحطان ، وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود ، ولكن المراد هنا أن الهدهد جاء إلى سليمان بخبر ما عاينه في مدينة سبأ مما وصفه ، وسيأتي في آخر هذا البحث من المأثور ما يوضح هذا ويؤيده ، ومعنى الآية : أن الهدهد جاء سليمان من هذه المدينة بخبر يقين ، والنبأ هو : الخبر الخطير الشأن . فلما قال الهدهد لسليمان ما قال ، قال له سليمان : وما ذاك ؟ فقال : { إِنّي وَجَدتُّ امرأة تَمْلِكُهُمْ } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.