قوله تعالى :{ هذان خصمان اختصموا في ربهم } أي : جادلوا في دينه وأمره ، والخصم : اسم شبيه بالمصدر ، فلذلك قال : { اختصموا } بلفظ الجمع كقوله : { وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب } واختلفوا في هذين الخصمين .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا يعقوب بن إبراهيم ، أنبأنا هشيم ، أنبأنا أبو هاشم ، عن أبي مجلز ، عن قيس بن عباد قال : سمعت أبا ذر يقسم قسما أن هذه الآية : { هذان خصمان اختصموا في ربهم } نزلت في الذين برزوا يوم بدر : حمزة وعلي ، وعبيدة بن الحارث ، وعتبة ، وشيبة ابني أبي ربيعة ، والوليد بن عتبة . وأخبرنا عبد الواحد ، أنبأنا أحمد ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا حجاج بن منهال ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت أبي قال : أنبأنا أبو مجلز ، عن قيس بن عباد ، عن علي بن أبي طالب قال : " أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة " . قال قيس : وفيهم نزلت : { هذان خصمان اختصموا في ربهم } قال : هم الذين بارزوا يوم بدر : علي وحمزة ، وعبيدة ، وشيبة بن ربيعة ، وعتبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة . قال محمد بن إسحاق : خرج -يعني يوم بدر- عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة ودعا إلى المبارزة فخرج إليه فتية من الأنصار ثلاثة : عوف ومعوذ ابنا الحارث وأمهما عفراء ، وعبد الله بن رواحة فقالوا : من أنتم ؟ قالوا : رهط من الأنصار ، فقالوا حين انتسبوا : أكفاء كرام ، ثم نادى مناديهم : يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قم يا عبيدة بن الحارث ويا حمزة بن عبد المطلب ويا علي بن أبي طالب ، فلما دنوا قالوا : من أنتم ؟ فذكروا ، فقالوا : نعم أكفاء كرام فبارز عبيدة وكان أسن القوم عتبة ، وبارز حمزة شيبة ، وبارز علي الوليد بن عتبة ، فأما حمزة فلم يمهل أن قتل شيبة ، وعلي الوليدبن عتبة واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتان كلاهما أثبت صاحبه ، فكر حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فذففا عليه واحتملا عبيدة إلى أصحابه ، وقد قطعت رجله ومخها يسيل ، فلما أتوا بعبيدة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألست شهيداً يا رسول الله ؟ قال : بلى ، فقال عبيدة : لو كان أبو طالب حياً لعلم أنا أحق بما قال منه حيث يقول :
ونسلمه حتى نصرع حوله *** ونذهل عن أبنائنا والحلائل
وقال ابن عباس و قتادة : نزلت الآية في المسلمين وأهل الكتاب فقال أهل الكتاب : نحن أولى بالله منكم وأقدم منكم كتاباً ، ونبينا قبل نبيكم ، وقال المؤمنون : نحن أحق بالله آمنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونبيكم وبما أنزل الله من كتاب ، وأنتم تعرفون نبينا وكتابنا وكفرتم به حسداً ، فهذه خصومتهم في ربهم . وقال مجاهد و عطاء بن أبي رباح و الكلبي : هم المؤمنون والكافرون كلهم من أي ملة كانوا . وقال بعضهم : جعل الأديان ستة في قوله تعالى : { إن الذين آمنوا والذين هادوا } الآية ، فجعل خمسة للنار وواحداً للجنة ، فقوله تعالى : { هذان خصمان اختصموا في ربهم } ينصرف إليهم فالمؤمنون خصم وسائر الخمسة خصم . وقال عكرمة : هما الجنة والنار اختصمتا .
كما أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي ، أنبأنا أبو طاهر الزيادي ، أنبأنا أبو بكر محمد حسين القطان ، أنبأنا أحمد بن يوسف السلمي ، أنبأنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن همام بن منبه ، قال : حدثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { تحاجت الجنة والنار فقالت النار : أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين ، وقالت الجنة : فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وغزاتهم . قال الله عز وجل للجنة : إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي ، وقال للنار : إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ، ولكل واحدة منكما ملؤها ، فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله فيها رجله فتقول قط قط ، فهنالك تمتلئ ويزوي بعضها إلى بعض ، ولا يظلم الله من خلقه أحداً ، وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقاً . ثم بين الله عز وجل ما للخصمين فقال : { فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار } قال سعيد بن جبير : ثياب من نحاس مذاب ، وليس من الآنية شيء إذا حمي أشد حراً منه وسمي باسم الثياب لأنها تحيط بهم كإحاطة الثياب . وقال بعضهم : يلبس أهل النار مقطعات من النار ، { يصب من فوق رؤوسهم الحميم } الحميم : هو الماء الحار الذي انتهت حرارته .
{ هذان خصمان } أي فوجان مختصمان . ولذلك قال : { اختصموا } حملا على المعنى ولو عكس لجاز ، والمراد بهما المؤمنون والكافرون . { في ربهم } في دينه أو في ذاته وصفاته . وقيل تخاصمت اليهود والمؤمنون فقال اليهود : نحن أحق بالله وأقدم منكم كتابا ونبيا قبل نبيكم ، وقال المؤمنون : نحن أحق بالله آمنا بمحمد ونبيكم وبما أنزل الله من كتاب ، وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا ثم كفرتم به حسدا فنزلت . { فالذين كفروا } فصل لخصومتهم وهو المعني بقوله تعالى : { إن الله يفصل بينهم يوم القيامة } { قطعت لهم } قدرت لهم على مقادير جثثهم ، وقرىء بالتخفيف . { ثياب من نار } نيران تحيط بهم إحاطة الثياب . { يصب من فوق رؤوسهم الحميم } حال من الضمير في { لهم } أو خبر ثان ، والحميم الماء الحار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.