بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{۞هَٰذَانِ خَصۡمَانِ ٱخۡتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمۡۖ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتۡ لَهُمۡ ثِيَابٞ مِّن نَّارٖ يُصَبُّ مِن فَوۡقِ رُءُوسِهِمُ ٱلۡحَمِيمُ} (19)

قوله عز وجل : { هذان خَصْمَانِ } ، يعني : أهل دينين { اختصموا فِى رَبّهِمْ } ، يعني : احتجوا في دين ربهم . قال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه نزلت هذه الآية في الذين بارزوا يوم بدر ، يعني : حمزة ، وعلي بن أبي طالب ، وعبيدة بن الحارث من المؤمنين رضي الله عنهم وشيبة بن ربيعة ، وعتبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة من المشركين ، يعني : أن المؤمنين يخاصمون الكفار ويجاهدونهم ويقاتلونهم .

ثم بيَّن مصير كلا الفريقين بقوله : { فالذين كَفَرُواْ } ؛ وقال مجاهد : { هذان خَصْمَانِ } ، يعني : المؤمنين والكافرين اختصما في البعث ، فالكافرون { قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نَّارِ } ، والمؤمنون يدخلون { جنات تجري من تحتها الأنهار } ، وقال عكرمة : { هذان خَصْمَانِ اختصموا } ، أي اختصمت الجنة والنار ، فقالت الجنة : خلقت للرحمة ، وقالت النار : خلقت للعذاب .

وروي عن ابن عباس أنه قال : { هذان خَصْمَانِ } ، وذلك أن اليهود قالوا : كتابنا ونبينا أفضل ، وقالت النصارى : ونبينا كان يحيي الموتى وهو أفضل من نبيكم ، فنحن أولى بالله ؛ وقال المؤمنون : نحن آمنا بالله وبجميع الأنبياء عليهم السلام وبجميع الكتب ، وأنتم كفرتم ببعض الرسل وببعض الكتب ، فديننا أولى من دينكم ، فنزل : { هذان خَصْمَانِ } الآية ؛ وقال : { هذان خَصْمَانِ اختصموا } ، ولم يقل اختصما ، لأن كل واحد من الخصمين جمع . قرأ ابن كثير { هذان } بتشديد النون ، والباقون بالتخفيف . وفي الآية دليل أن الكفر كله ملة واحدة ، لأنه ذكر ستة ملل من الأديان .

ثم قال : { هذان خَصْمَانِ } ثم بيَّن مصير كلا الفريقين ، فقال : { فالذين كَفَرُواْ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نَّارِ } ، أي جحدوا بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ، هيئت لهم ثياب أي قُمُصٌ من نار ، ويقال : نحاس . { يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسَهُم الحميم } ؛ قال مقاتل : يضرب الملك رأسَه بالمقمع ، فيثقب رأسه . ثم يصب من فوق رؤوسهم الحميم ، الذي قد انتهى حَرُّهُ .