قوله تعالى : " هذان خصمان اختصموا في ربهم " خرج مسلم عن قيس بن عباد قال : سمعت أبا ذر يقسم قسما إن " هذان خصمان اختصموا في ربهم " إنها نزلت في الذين برزوا يوم بدر : حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة . وبهذا الحديث ختم مسلم رحمه الله كتابه . وقال ابن عباس : ( نزلت هذه الآيات الثلاث على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة في ثلاثة نفر من المؤمنين وثلاثة نفر كافرين ) ، وسماهم ، كما ذكر أبو ذر . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( إني لأول من يجثو للخصومة بين يدي الله يوم القيامة ، يريد قصته في مبارزته هو وصاحباه ) ، ذكره البخاري . وإلى هذا القول ذهب هلال بن يَساف وعطاء بن يسار وغيرهما . وقال عكرمة : المراد بالخصمين الجنة والنار ، اختصمتا فقالت النار : خلقني لعقوبته . وقالت الجنة خلقني لرحمته .
قلت : وقد ورد بتخاصم الجنة والنار حديث عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( احتجت الجنة والنار فقالت هذه يدخلني الجبارون والمتكبرون ، وقالت هذه يدخلني الضعفاء والمساكين ، فقال الله تعالى لهذه : أنت عذابي أعذب بك من أشاء وقال لهذه : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها ) . خرجه البخاري ومسلم والترمذي وقال : حديث حسن صحيح . وقال ابن عباس أيضا : ( هم أهل الكتاب قالوا للمؤمنين نحن أولى بالله منكم ، وأقدم منكم كتابا ، ونبينا قبل نبيكم . وقال المؤمنون : نحن أحق بالله منكم ، آمنا بمحمد وآمنا بنبيكم وبما أنزل إليه من كتاب ، وأنتم تعرفون نبينا وتركتموه وكفرتم به حسدا ، فكانت هذه خصومتهم ) ، وأنزلت فيهم هذه الآية . وهذا قول قتادة ، والقول الأول أصح ، رواه البخاري عن حجاج بن منهال عن هشيم عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي ذر ، ومسلم عن عمرو بن زرارة عن هشيم ، ورواه سليمان التيمي عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن علي قال : فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزتنا يوم بدر " هذان خصمان اختصموا في ربهم - إلى قوله - عذاب الحريق " . وقرأ ابن كثير " هذان خصمان " بتشديد النون من " هذان " . وتأول الفراء الخصمين على أنهما فريقان أهل دينين ، وزعم أن الخصم الواحد المسلمون والآخر اليهود والنصارى ، اختصموا في دين ربهم ، قال : فقال " اختصموا " لأنهم جمع ، قال : ولو قال " اختصما " لجاز . قال النحاس : وهذا تأويل من لا دراية له بالحديث ولا بكتب أهل التفسير ؛ لأن الحديث في هذه الآية مشهور ، رواه سفيان الثوري وغيره عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد قال : سمعت أبا ذر يقسم قسما إن هذه الآية نزلت في حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة . وهكذا روى أبو عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس . وفيه قول رابع ( أنهم المؤمنون كلهم والكافرون كلهم من أي ملة كانوا ) ، قاله مجاهد والحسن وعطاء بن أبي رباح وعاصم بن أبي النجود والكلبي . وهذا القول بالعموم يجمع المنزل فيهم وغيرهم . وقيل : نزلت في الخصومة في البعث والجزاء ؛ إذ قال به قوم وأنكره قوم .
قوله تعالى : " فالذين كفروا " يعني من الفرق الذين تقدم ذكرهم . " قطعت لهم ثياب من نار " أي خيطت وسويت ، وشبهت النار بالثياب لأنها لباس لهم كالثياب . وقوله " قطعت " أي تقطع لهم في الآخرة ثياب من نار ؛ وذكر بلفظ الماضي لأن ما كان من أخبار الآخرة فالموعود منه كالواقع المحقق ، قال الله تعالى : " وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس " {[11450]} [ المائدة : 116 ] أي يقول الله تعالى . ويحتمل أن يقال قد أعدت الآن تلك الثياب لهم ليلبسوها إذا صاروا إلى النار . وقال سعيد بن جبير : " من نار " من نحاس ، فتلك الثياب من نحاس قد أذيبت وهي السرابيل المذكورة في " قطران " {[11451]} [ إبراهيم : 50 ] وليس في الآنية شيء إذا حمي يكون أشد حرا منه . وقيل : المعنى أن النار قد أحاطت بهم كإحاطة الثياب المقطوعة إذا لبسوها عليهم ؛ فصارت من هذا الوجه ثيابا لأنها بالإحاطة كالثياب ، مثل " وجعلنا الليل لباسا " {[11452]}[ النبأ : 10 ] . " يصب من فوق رؤوسهم الحميم " أي الماء الحار المغلي بنار جهنم . وروى الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الحميم حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر ثم يعاد كما كان ) . قال : حديث حسن صحيح غريب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.