قوله : { هَذَانِ خَصْمَانِ } : الخَصْم في الأصل : مصدرٌ ؛ ولذلك يُوحَّدُ ويذكَّرُ غالباً ، وعليه قولُه تعالى :
{ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ } [ ص : 21 ] . ويجوز أنْ يُثَنَى ويجمعَ ويؤنَّثَ ، وعليه هذه الآيةُ . ولمَّا كان كلُّ خَصْمٍ فريقاً يَجْمَعُ طائفةً قال : " اختصَمُوا " بصيغةِ الجمع كقولِه : { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ }
[ الحجرات : 9 ] فالجمعُ مراعاةً للمعنى .
وقرأ ابن أبي عبلة " اختصما " مراعاةً للفظِه وهي مخالفةٌ للسَّواد . وقال أبو البقاء : وأكثرُ الاستعمالِ توحيدُه فَمَنْ ثَنَّاه وجَمَعه حَمَله الصفات والأسماء ، و " اختصموا " إنما جُمِعَ حملاً على المعنى لأنَّ كلَّ خصمٍ [ فريقٌ ] تحته أشخاصٌ " . وقال الزمخشري : " الخصم صفةٌ وُصِفَ بها الفوجُ أو الفريقُ فكأنه قيل : هذان فوجان أو فريقان مختصمان . وقوله : " هذان " للَّفظِ ، و " اختصموا " للمعنى كقوله : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُواْ } [ محمد : 16 ] ولو قيل : هؤلاء خصمان أو اختصما جاز أن يُراد : المؤمنون والكافرون " . قلت : إنْ عَنَى بقوله : " إن " خَصْماً " صفةٌ " بطريقِ الاستعمال المجازي فمُسَلَّم ؛ لأنَّ المصدرَ يكثرُ الوصفُ به ، وإنْ أراد أنه صفةٌ حقيقةً فَخَطَؤُه ظاهرٌ لتصريِحهم بأن نحوَ " رجلٌ خصمٌ " مثل " رجلٌ عَدْل " وقوله : " هذان للفظِ " أي : إنما أُشير إليهم إشارةُ المثنى وإنْ كان في الحقيقة المرادُ الجمعَ ، باعتبار لفظِ الفوجَيْن والفريقين ونحوهما . وقوله كقولِهم : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ } إلى آخره فيه نظرٌ ؛ لأنَّ في تيك الآيةِ تقدَّمَ شيءٌ له لفظٌ ومعنىً ، وهو " مَنْ " ، وهنا لم يتقدَّمْ شيءٌ له لفظٌ ومعنىً . وقوله تعالى : { فِي رَبِّهِمْ } أي : في دين ربهم ، فلا بُدَّ من حذف مضاف .
وقرأ الكسائيُّ في روايةٍ عنه " خِصمان " بكسر الخاء . وقوله : { فَالَّذِينَ كَفَرُواْ } هذه الجملةُ تفصيلٌ وبيانٌ لفصلِ الخصومة المَعْنِيِّ بقوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ } [ الآية : 17 ] قال الزمخشري . وعلى هذا فيكونُ { هَذَانِ خَصْمَانِ } معترضاً . والجملة مِنْ " اختصموا " حاليةٌ ، وليست مؤكدةً ؛ لأنها أخصُّ مِنْ مطلقِ الخصومةِ المفهومةِ من " خصمان " .
وقرأ الزعفراني في اختياره " قُطِعَتْ " مخففَ الطاءِ . والقراءةُ المشهورةُ تفيدُ التكثيرَ ، وهذه تحتمله .
قوله : { يُصَبُّ } هذه الجملةُ تحتمل أَنْ تكون خبراً ثانياً للموصول ، وأن تكونَ حالاً من الضميرِ في " لهم " ، وأن تكونَ مستأنفةً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.