لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{۞هَٰذَانِ خَصۡمَانِ ٱخۡتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمۡۖ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتۡ لَهُمۡ ثِيَابٞ مِّن نَّارٖ يُصَبُّ مِن فَوۡقِ رُءُوسِهِمُ ٱلۡحَمِيمُ} (19)

قوله عزّ وجلّ : { هذان خصمان اختصموا في ربهم } أي جادلوا في دينه وأمره واختلفوا في هذين الخصمين فروي عن قيس بن عبادة قال : سمعت أبا ذر يقسم قسماً أن هذه الآية { هذان خصمان اختصموا في ربهم } نزلت في الذين برزوا يوم بدر حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد من عتبة أخرجاه في الصحيحين ( خ ) عن علي بن أبي طالب قال : أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الرحمن يوم القيامة . قال قيس بن عبادة فيهم نزلت { هذان خصمان اختصموا في ربهم } قال هم الذين تبارزوا يوم بدر علي وحمزة وعبيدة بن الحارث وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة . قال محمد بن إسحاق : خرج يوم بدر عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة ، ودعوا إلى المبارزة فخرج إليهم فئة من الأنصار ثلاثة عوف ومعوذ ابنا الحارث وأمهما عفراء وعبد الله بن رواحة فقالوا رهط من الأنصار فقالوا حين انتسبوا أكفاء كرام ثم نادى مناديهم يا محمد اخرج إلينا أكفاءنا من قومنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « قم يا عبيدة بن الحارث ويا حمزة بن عبد المطلب ويا علي بن أبي طالب » فلما دنوا منهم قالوا : من أنتم فذكروا أنفسهم قالوا نعم أكفاء كرام فبارز عبيدة وكان أسن القوم عتبة وبارز حمزة شيبة وبارز علي الوليد ابن عتبة فأما حمزة فلم يمهل أن قتل شيبة وعلي الوليد واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتان كلاهما أثبت صاحبه فكرّ حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فذففا واحتملا عبيدة إلى أصحابه وقد قطعت رجله ومخها يسيل . فلما أتوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألست شهيداً يا رسول الله قال : بلى فقال عبيدة : لو كان أبو طالب حياً لعلم أنا أحق بما قال منه حيث يقول :

ونسلمه حتى نصرع حوله *** ونذهل عن أبنائنا والحلائل

وقال ابن عباس : نزلت الآية في المسلمين وأهل الكتاب قال أهل الكتاب نحن أولى بالله وأقدم منكم كتاباً ونبينا قبل نبيكم وقال المسلمون نحن أحق بالله آمنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونبيكم وبما أنزل الله من كتاب وأنتم تعرفون نبينا وكتابنا وكفرتم حسداً فهذه خصومتهم في ربهم وقيل هم المؤمنون والكافرون من أي ملة كانوا فالمؤمنون خصم والكفار خصم وقيل الخصمان الجنة والنار ( ق ) عن أبي هريرة قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم « تحاجت الجنة والنار فقالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين . وقالت الجنة : فما لي لا يدخلني إلاّ ضعفاء الناس وسقطهم » زاد في رواية « وغزاتهم فقال الله عزّ وجلّ للجنة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار إنّما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكما ملؤها فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله تبارك وتعالى رجله فتقول قط قط فهنالك تمتلئ ويزوي بعضها إلى بعض ولا يظلم ربك من خلقه أحداً .

وأما الجنة فإنّ الله تعالى ينشىء لها خلقاً وللبخاري : « اختصمت الجنة والنار » وهذا القول ضعيف والأقوال الأولى أولى بالصحة لأن حمل الكلام على ظاهره أولى وقوله هذان كالإشارة إلى سبب تقدم ذكره وهو أهل الأديان الستة وأيضاً فإنه ذكر صنفين أهل طاعته وأهل معصيته وذكر مآل الخصمين فقال تعالى : { فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار } قال سعيد بن جبير : ثياب من نحاس مذاب وليس من الآنية شيء إذا حمي أشد حراً منه وسمي باسم الثياب . لأنها تحيط بهم كإحاطة الثياب وقيل يلبس أهل النار مقطعات من نار { يصب من فوق رؤوسهم الحميم } أي الماء الحار الذي انتهت حرارته .