الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{۞هَٰذَانِ خَصۡمَانِ ٱخۡتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمۡۖ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتۡ لَهُمۡ ثِيَابٞ مِّن نَّارٖ يُصَبُّ مِن فَوۡقِ رُءُوسِهِمُ ٱلۡحَمِيمُ} (19)

وقوله سبحانه : { هذان خَصْمَانِ اختصموا فِي رَبِّهِمْ } [ الحج : 19 ] .

نزلت هذه الآيةُ في المتبارزين يوم بدر ، وهم سِتَّةُ نفر : حَمْزَةُ ، وعَلِيٌّ ، وعبيدة ابنُ الحارث ( رضي اللّه عنهم ) بَارَزُوا لعتبةَ بنِ ربيعة ، والوليد بن عتبة ، وشيبة بن ربيعة ، قال علي بن أبي طالب : أنا أَوَّلُ مَنْ يجثو يوم القيامة للخصومة بين يدي اللّه تعالى ، وأقسم أَبو ذَرٍّ على هذا القولِ ووقع في «صحيح البخاريِّ » ( رحمه اللّه تعالى ) : أَنَّ الآيةَ فِيهم ، وقال ابن عباس : الإِشارة إلى المؤمنين وأَهْلِ الكتاب وذلك أَنَّهُ وقع بينهم تخاصم ، فقالتِ اليهودُ : نحن أقدمُ دِيناً منكُم ، ونحو هذا فنزلت الآية ، وقال مجاهد وجماعة الإِشارة إلى المؤمنين والكُفَّارِ على العموم .

قال ( ع ) : وهذا قولَ تَعْضُدُهُ الآية وذلك أنه تَقَدَّمَ قولُه : { وَكَثِير مِن الناس } المعنى : هم مؤمنون ساجدون ، ثم قال تعالى : { وَكَثِير حَق عَلَيهِ العذاب } ، ثم أشار إلى هذين الصنفين بقوله : { هذان خَصْمَانِ } والمعنى : أَن الإيمانَ وأهله ، والكفرَ وأهله خصمان مذ كانا إلى يوم القيامة بالعداوة والجدال والحرب ، وخصم مصدر يُوصَفُ به الواحد والجمع ، ويَدُلُّ على أَنه أراد الجمع قوله : { اختصموا } فإنه قراءة الجمهور ، وقرأ ابن أبي عبلة : «اخْتَصَمَا » .

( ت ) : وهذه التأويلاتُ مُتَّفِقَاتٌ في المعنى ، وقد ورد أَنَّ أَوَّلَ ما يُقضى به بين الناس يوم القيامة في الدماء ، ومن المعلوم أَنَّ أَوَّلَ مبارزة وقعت في الإسلام مبارزة عَليٍّ وأصحابه ، فَلاَ جَرَمَ كانت أَوَّلَ خصومة وحكومة يوم القيامة .

وفي «صحيح مسلم » عنه صلى الله عليه وسلم : ( نَحْنُ الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ، وَالأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ المَقْضِيِّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلاَئِقِ ) وفي رواية : ( المَقْضِيِّ بَيْنَهُمْ ) .

وقوله : { فِي رَبِّهِم } أي : في شأن ربهم وصفاته وتوحيده ، ويحتمل في رِضَى ربهم وفي ذاته .

وقال ( ص ) : { فِي رَبِّهِم } أي : في دين ربهم ، انتهى ، ثم بَيَّنَ سبحانه حكم الفريقين ، فتوعَّدَ تعالى الكُفَّارَ بعذابه الأليم ، و{ قُطِّعَتْ } معناه جُعِلَتْ لهم بتقدير كما يُفَصَّلُ الثوبُ ، وروي : أَنَّها من نُحَاسٍ ،