المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ} (46)

46- أولئك هم الخاضعون المطمئنة قلوبهم ، الذين يؤمنون باليوم الآخر ويوقنون بأنهم سيلاقون ربهم عند البعث ، وإليه - وحده - يعودون ليحاسبهم على ما قدمت أيديهم ويثيبهم عليه .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ} (46)

قوله تعالى : { الذين يظنون } . يستيقنون فالظن من الأضداد يكون شكاً ويقيناً ، كالرجاء يكون أمنا وخوفاً .

قوله تعالى : { أنهم ملاقوا } . معاينو .

قوله تعالى : { ربهم } . في الآخرة ، وهو رؤية الله تعالى . وقيل : المراد من اللقاء الصيرورة إليه .

قوله تعالى : { وأنهم إليه راجعون } . فيجزيهم بأعمالهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ} (46)

هذا من تمام الكلام الذي قبله ، أي : وإن الصلاة أو الوَصَاة{[1700]} لثقيلة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ، أي : [ يعلمون أنهم ]{[1701]} محشورون إليه يوم القيامة ، معروضون عليه ، وأنهم إليه راجعون ، أي : أمورهم راجعة إلى مشيئته ، يحكم فيها ما يشاء بعدله ، فلهذا لما أيقنوا بالمعاد والجزاء سَهُل عليهم فعلُ الطاعات وترك المنكرات .

فأما قوله : { يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ } قال{[1702]} ابن جرير ، رحمه الله : العرب قد تسمي اليقين ظنا ، والشك ظنًا ، نظير تسميتهم الظلمة سُدْفة ، والضياء سُدفة ، والمغيث صارخا ، والمستغيث صارخًا ، وما أشبه ذلك من الأسماء التي يسمى بها الشيء وضدّه ، كما قال دُرَيد بن الصِّمَّة :

فقلت لهم ظُنُّوا بألفي مُدَجَّجٍ *** سَرَاتُهُم في الفَارسِيِّ المُسَرَّدِ{[1703]}

يعني بذلك تيقنوا بألفي مدجج يأتيكم ، وقال عَمِيرة بن طارق :

بِأنْ يَعْتَزُوا{[1704]} قومي وأقعُدَ فيكم *** وأجعلَ مني الظنَّ غيبا مرجمّا{[1705]}

يعني : وأجعل مني اليقين غيبا مرجما ، قال : والشواهد من أشعار العرب وكلامها على أن الظن في معنى اليقين ، أكثر من أن تحصر ، وفيما ذكرنا لمن وفق لفهمه كفاية ، ومنه قول الله تعالى : { وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا } [ الكهف : 53 ] .

ثم قال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد ، قال : كل ظن في القرآن يقين ، أي : ظننت وظَنوا .

وحدثني المثنى ، حدثنا إسحاق ، حدثنا أبو داود الحَفَرِيّ ، عن سفيان عن ابن أبي نَجيح ، عن مجاهد ، قال : كل ظن في القرآن فهو علم . وهذا سند صحيح .

وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله تعالى : { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ } قال : الظن هاهنا يقين .

قال ابن أبي حاتم : وروي عن مجاهد ، والسدي ، والربيع بن أنس ، وقتادة نحو قول أبي العالية .

وقال سُنَيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج : { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ } علموا أنهم ملاقو ربهم ، كقوله : { إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ } [ الحاقة : 20 ] يقول : علمت .

وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم .

قلت : وفي الصحيح : " أن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : ألم أزوجك ، ألم أكرمك ، ألم أسخر لك الخيل والإبل ، وأذرك ترأس وتربع ؟ فيقول : بلى . فيقول الله تعالى : أفظننت أنك ملاقي ؟ فيقول : لا . فيقول الله : اليوم أنساك كما نسيتني " . وسيأتي مبسوطا عند قوله : { نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [ التوبة : 67 ] إن شاء الله ، والله تعالى أعلم .


[1700]:في أ: "الوصية".
[1701]:زيادة من جـ، ب، أ.
[1702]:في طـ، ب: "فقال".
[1703]:البيت في تفسير الطبري (2/18).
[1704]:في جـ: "نصروا"، وفي ب، أ: "تعيروا".
[1705]:البيت في تفسير الطبري (2/18).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ} (46)

الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ( 46 )

و { يظنون } في هذه الآية قال الجمهور : معناه يوقنون( {[562]} ) .

وحكى المهدوي وغيره : أن الظن يصح أن يكون على بابه ، ويضمر في الكلام بذنوبهم ، فكأنهم يتوقعون لقاءه مذنبين .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وهذا تعسف( {[563]} ) ، والظن في كلام العرب قاعدته الشك مع ميل إلى احد معتقديه ، وقد يوقع الظن موقع اليقين في الأمور المتحققة( {[564]} ) ، لكنه لا يوقع فيما قد خرج إلى الحس ، لا تقول العرب في رجل مرئي حاضر أظن هذا إنساناً وإنما تجد الاستعمال فيما لم يخرج إلى الحس بعد ، كهذه الآية ، وكقوله تعالى : { فظنوا أنهم مواقعوها }( {[565]} ) [ الكهف : 53 ] وكقول دريد بن الصمة : [ الطويل ]

فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج . . . سراتهُم بالفارسي المسرد( {[566]} )

وقوله تعالى : { أنهم ملاقو ربهم } أن وجملتها تسد مسد مفعولي الظن ، والملاقاة هي للعقاب أو الثواب ، ففي الكلام حذف مضاف ، ويصح أن تكون الملاقاة هنا( {[567]} ) بالرؤية التي عليها أهل السنة ، وورد بها متواتر الحديث .

وحكى المهدوي : أن الملاقاة هنا مفاعلة من واحد ، مثل عافاك الله .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهذا قول ضعيف ، لأن لقي يتضمن معنى لاقى ، وليست كذلك الأفعال كلها ، بل فعل( {[568]} ) خلاف فاعل في المعنى .

{ وملاقو } أصله ملاقون ، لأنه بمعنى الاستقبال فحذفت النون تخفيفاً ، فلما حذفت تمكنت الإضافة لمناسبتها للأسماء ، وهي إضافة غير محضة ، لأنها تعرف .

وقال الكوفيون : ما في اسم الفاعل الذي هو بمعن المجيء من معنى الفعل يقتضي إثبات النون وإعماله ، وكونه وما بعده اسمين يقتضي حذف النون والإضافة .

و { راجعون } قيل : معناه بالموت وقيل بالحشر والخروج إلى الحساب والعرض ، وتقوي هذا القول الآية المتقدمة قوله تعالى : { ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون } [ البقرة : 28 ، الحج : 66 ، الروم : 40 ] والضمير في { إليه } عائد على الرب تعالى ، وقيل على اللقاء الذي يتضمنه { ملاقو } .


[562]:- العلوم والمعرفة واليقين: مترادفة على معنى واحد، وهو الاعتقاد الجازم المطابق عن دليل، وقد يطلق الظن على العلم كما يطلق على الظن، وهذا الاستعمال متعارف عند أهل اللغة والشرع، وعن مجاهد: كل ظن في القرآن فهو يقين، ولعله يريد الظن المتعلق بالآخرة كما قالوا.
[563]:- أي تكلف يحمل الكلام على معنى لا دلالة عليه في الظاهر، والأصل عدم الإضمار في الكلام إلا إذا توقف صدقه أو صحته على ذلك.
[564]:- أي الثابتة عقلا شرعا.
[565]:- من ألآية 53 من سورة (الكهف).
[566]:- دريد: هو ابن عبد الله بن الطفيلي، شاعر إسلامي مقل من شعراء الدولة الأموية، وقوله: ظنوا بألفي مدجج، أي تيقنوا بإتيان ألفي مدجج، والمدجج اللابس للسلاح المغطى به. وبعده: فلما عصوني كنت منهم وقد أرى غوايتهم وأنني غير مهتد أي حيث تابعتهم ووافقتهم.
[567]:- لا يلزم من اللقاء الرؤية. ألا ترى إلى الأعمى إذا حضر جمعا ساغ له أن يقول: لقيت فلانا، مع فقده للرؤية، والآية هنا كما تدل لأهل السنة يمكن أن تدل للمعتزلة الذين لا يعترفون برؤية الله في الآخرة، لكن ابن عطية رحمه الله ذكر رأي أهل السنة، وسكت عن رأي المعتزلة- فتأمل قوله بعد ذلك: "وورد بها متواثر الحديث" مما يدل على تأييده أو اختياره لهذا القول.
[568]:- (فعل) تدل على الانفراد، و(فاعل) تدل على الاشتراك، وقد تكون (فعل) بمعنى (فاعل) في الدلالة على الاشتراك، ومن ذلك (لقي) فإنها تدل على الاشتراك بوضعها وخصوص مادتها، لأن كل من لقيته فقد لقيك وعلى ذلك فإننا لو جعلنا (فاعل) في الآية بمعنى (فعل) لكانت تدل على الاشتراك أيضا. ووجه التضعيف لكلام المهدوي أن مادة لقي مجردة كانت أو غير مجردة يستحيل فيها أن تكون لواحد. فكون (فاعل) من اللقاء من باب عاقتب اللص ضعيف، حيث أن هذه المادة تقتضي الاشتراك كيفما استعملت ومن أي باب كانت.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ} (46)

وقد وصف تعالى الخاشعين بأنهم الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون وهي صلة لها مزيد اتصال بمعنى الخشوع ففيها معنى التفسير للخاشعين ومعنى بيان منشأ خشوعهم ، فدل على أن المراد من الظن هنا الاعتقاد الجازم وإطلاق الظن في كلام العرب على معنى اليقين كثير جداً ، قال أوس بن حجر يصف صياداً رمى حمار وحش بسهم{[120]} :

فأرسله مستيقن الظن أنه *** مخالطُ ما بين الشرا سيف جائف

وقال دريد بن الصمة :

فقلت لهم ظُنُّوا بأَلْفَيْ مُدَجَّج *** سراتهم بالفارسي المسرج

فهو مشترك بين الاعتقاد الجازم وبين الاعتقاد الراجح .

والملاقاة والرجوع هنا مجازان عن الحساب والحشر أو عن الرؤية والثواب ؛ لأن حقيقة اللقاء- وهو تقارب الجسمين ، وحقيقة الرجوع وهو الانتهاء إلى مكان خرج منه المنتهى- مستحيلة هنا . والمقصود من قوله : { وإنها لكبيرة } إلخ التعريض بالثناء على المسلمين ، وتحريض بني إسرائيل على التهمم بالاقتداء بالمؤمنين وعلى جعل الخطاب في قوله : { واستعينوا } للمسلمين يكون قوله : { وإنها لكبيرة } تعريضاً بغيرهم من اليهود والمنافقين .

والملاقاة مفاعلة من لقي ، واللقاء الحضور كما تقدم في قوله : { فتلقى آدم من ربه كلمات } [ البقرة : 36 ] والمراد هنا الحضور بين يدي الله للحساب أي الذين يؤمنون بالبعث ، وسيأتي تفصيل لها عند قوله تعالى { واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه } [ البقرة : 222 ] في هذه السورة ، وفي سورة الأنعام ( 31 ) عند قوله تعالى : { قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله . }


[120]:- أوس بن حجر – بحاء مهملة وجيم مفتوحتينن ويغلط من يضم حاءه ويسكن جيمه- وهو من فحول شعراء بني تميم في الجاهلية وكان فحل مضر قبل النابغة وزهير، فلما نبغ زهير والنابغة أخملاه, وهذا البيت من قصيدة أولها: تنكر بعدي من أميمة صائف *** فبرك فأعلى تولب فالمخالف وصائف وبرك وتولب والمخالف أسماء بقاع، وقد ذكر في اثنائها وصف الصياد لحمار الوحش فقال: فأمهله حتى إذا أن كانه *** معاطي يد من جملة الماء غارف فسير سهاما راشه بمناكب *** لؤام ظهار فهو أعجف شائف