الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ} (46)

قوله تعالى : " الذين يظنون " ( الذين ) في موضع خفض على النعت للخاشعين ، ويجوز الرفع على القطع . والظن هنا في قول الجمهور بمعنى اليقين ومنه قوله تعالى " إني ظننت أني ملاق حسابيه{[704]} " [ الحاقة : 20 ] وقوله : " فظنوا أنهم مواقعوها{[705]} " [ الكهف : 53 ] . قال دريد بن الصمة :

فقلت لهم ظُنُّوا بألفَيْ مُدَجَّجٍ *** سَرَاتُهُم في الفارسي المُسَرَّد

وقال أبو داود :

ربَّ هَمٍّ فرجته بغَرِيم *** وغيوب كشفتها بظنون

وقد قيل : إن الظن في الآية يصح أن يكون على بابه ، ويضمر في الكلام بذنوبهم ، فكأنهم يتوقعون لقاءه مذنبين . ذكر المهدوي والماوردي . قال ابن عطية : وهذا تعسف . وزعم الفراء أن الظن قد يقع بمعنى الكذب ولا يعرف ذلك البصريون . وأصل الظن وقاعدته الشك مع ميل إلى أحد معتقديه ، وقد يوقع موقع اليقين ، كما في هذه الآية وغيرها لكنه لا يوقع فيما قد خرج إلى الحس لا تقول العرب في رجل مرئي حاضر : أظن هذا إنسانا . وإنما تجد الاستعمال فيما لم يخرج إلى الحس بمعنى كهذه الآية والشعر ، وكقوله تعالى " فظنوا أنهم مواقعوها " . وقد يجيء اليقين بمعنى الظن وقد تقدم بيانه أول السورة وتقول : سؤت به ظنا وأسأت به الظن . يدخلون الألف إذا جاؤوا بالألف واللام . ومعنى " ملاقو ربهم " جزاء ربهم . وقيل : إذا جاء على المفاعلة وهو من واحد ، مثل عافاه الله . " وأنهم " بفتح الهمزة عطف على الأول ويجوز " وإنهم " بكسرها على القطع . " إليه " أي إلى ربهم ، وقيل إلى جزائه . " راجعون " إقرار بالبعث والجزاء والعرض على الملك الأعلى .


[704]:راجع ج 18 ص 270.
[705]:راجع ج 11 ص 30.