قوله تعالى : { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ } : " الذين " يَحتملُ موضعُه الحركاتِ الثلاثَ ، فالجرُّ على أنه تابعٌ لِما قَبْلَه نعتاً ، وهو الظاهرُ ، والرفعُ والنصبُ على القَطْع ، وقد تقدَّم معناه . وأصلُ الظنِّ : رُجْحانُ أحدِ الطرفينِ وأمَّا هذه الآيةُ ففيها قولانِ ، أحدُهما وعليه الأكثرُ أنَّ الظنَّ ههنا بمعنى اليقين ومثلُه : { إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ } [ الحاقة : 20 ] ، وقوله :
فقلت لهم ظُنُّوا بألفَيْ مُدَجَّجٍ *** سَرَاتُهُمُ في الفارسيِّ المُسَرَّدِ
رُبَّ همٍّ فَرَّجْتُه بعَزيمٍ *** وغُيوبٍ كَشَّفْتُها بظُنونِ
فاستُعْمِلَ الظنَّ استعمالَ اليقينِ مجازاً ، كما استُعْمِل العِلْمُ استعمالَ الظنِّ كقولِه : { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ } [ الممتحنة : 10 ] ولكنَّ العربَ لا تَسْتَعْمِلُ الظنَّ استعمالَ اليقين إلا فيما لم يَخْرُجْ إلى الحِسِّ والمشاهدةِ كالآيتين والبيت ، ولا تَجِدُهم يقولون في رجل مَرْئيٍّ حاضراً : أظنُّ هذا إنساناً .
والقولُ الثاني : أنَّ الظنَّ على بابِه وفيه حينئذٍ تأويلان ، أحدُهما ذَكَره المهدوي والماوَرْدي وغيرُهما : أن يُضْمَر في الكلام " بذنوبهم " فكأنهم يتوقَّعون لقاءَه مُذْنِبين . قال ابن عطية : " وهذا تعسُّفٌ " والثاني من التأويلين : أنهم يظنُّون ملاقاةَ ثوابِ ربهم لأنهم ليسوا قاطِعين بالثوابِ دونَ العقاب ، والتقديرُ : يَظُنُّون أنهم ملاقُو ثوابِ ربِّهم ، ولكن يُشْكِلُ على هذا عَطْفُ { وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } فإنه لا يَكْفي فيه الظنُّ ، هذا إذا أَعَدْنا الضميرَ في " إليه " على الربِّ سبحانه وتعالى ، أمَّا إذا أَعَدْناه على الثوابِ المقدَّر فيزولُ الإِشكالُ أو يُقالُ : إنه بالنسبةِ إلى الأول بمعنى الظنِّ على بابه ، وبالنسبةِ إلى الثاني بمعنى اليقينِ ، ويكونُ قد جَمَعَ في الكلمةِ الواحدةِ بين الحقيقةِ والمجازِ ، وهي مسألةُ خلافٍ و " أن " وما في حَيِّزها سادَّةٌ [ مَسَدَّ ] المفعولَيْنِ عندَ الجمهورِ ، ومسدَّ الأولِ ، والثاني محذوفٌ عند الأخفش ، وقد تقدَّم تحقيقُه .
و { مُّلاَقُو رَبِّهِمْ } من باب إضافةِ اسم الفاعل لمعموله إضافةً تخفيفٍ لأنه مستقبلٌ ، وحُذِفَتِ النونُ للإِضافة ، والأصلُ : مُلاقونَ ربِّهم . والمفاعلةُ هنا بمعنى الثلاثي نحو : عافاك الله ، قاله المهدوي : قال ابن عطية : وهذا ضعيفٌ ، لأنَّ " لَقِيَ " يتضمَّن معنى " لاقى " . كأنه يَعْني أن المادةَ لذاتها تقتضي المشاركةَ بخلافِ غيرِها من : عاقَبْت وطارقت وعافاك . وقد تقدَّم أن في الكلام حَذْفاً تقديرُه : ملاقو ثوابِ ربِّهم وعقابِه . قال ابن عطية : " ويَصِحُّ أن تكونَ الملاقاةُ هنا الرؤيةَ التي عليها أهلُ السُّنَّةِ وورد بها متواترُ الحديث " ، فعلى هذا الذي قاله لا يُحْتاج إلى حَذْفِ مضاف . { وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } عَطْفٌ على " أَنَّهم " وما في حَيِّزها ، و " إليه " متعلق ب " راجعون " ، والضميرُ : إمَّا للربِّ سبحانَه أو الثَّوابِ كما تقدَّم ، أو اللقاءِ المفهوم من " مُلاقُو " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.