نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَأَنَّهُمۡ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ} (46)

{ الذين يظنون } من الظن وهو رجحان في اعتقاد مع بقاء منازع من{[2246]} مقابله - قاله الحرالي . {[2247]}{ أنهم ملاقوا ربهم }{[2248]} أي المحسن إليهم ، وعبر بالظن{[2249]} عن العلم{[2250]} تهويلاً للأمر وتنبيهاً على أنه يكفي العاقل في الحث على ملازمة الطاعة في ظن لقاء الملك المطاع المرجو المخوف فكيف والأمر متيقن لا مِراء فيه ولا تطرّق للريب إليه ! {[2251]} ويجوز أن يراد ظن الموت في كل لحظة ، فإنه إذا كان على ذكر من الإنسان أوجب له السعادة .

ولما كانت هذه الجملة مشيرة مع الترهيب لذوي الهمم العلية والأنفة والحمية من الوقوع فيما يلم بعيب أو يوقع في عتب{[2252]} إلى الاستحياء من المحسن الذي ما قطع إحسانه ساعة من الدهر زاد في الترهيب بقوله : { وأنهم إليه } أي وحده{[2253]} { راجعون } ، والرجوع معاد الذاهب على مدارج مذهبه وترقيه على معارج مهبطه - قاله الحرالي .

وعبر بذلك وإن كانوا لم يزالوا في قبضته ، لأن اسمه الظاهر سبحانه يكون في تلك الدار {[2254]}لانقطاع الأسباب{[2255]} في غاية الظهور لا يكون لأحد معه نوع ظهور أصلاً ، لا{[2256]} كهذه{[2257]} الدار التي الغالب فيها معنى اسمه الباطن إلا عند أولي البصائر ؛ وفي الآية تبكيت لأهل الكتاب بأنهم مع تحققهم للبعث يملون عمل من لا يظنه فضلاً عن أنه يعلمه . وقال الحرالي : ولما كان في الصلاة مناجاة لله{[2258]} على الغيب كانت إنما تتيسر على من يظن القبول الذي يشعر به اللقاء لربه بعد موته وذلك حال من رجحت الآخرة على الدنيا في عمله{[2259]} وحاله ، فكان حاله وعمله حال الظان إبقاء على أحوال من دون رتبة اليقين ، ومقصود اللقاء ليس البعث لأنهم هم{[2260]} من المؤمنين بالبعث ولكنه من معنى القبول بعد البعث ، {[2261]}وفيه إشارة إلى حال الموت ويوم البرزخ وهو الجزاء الأول فعطف على المرجع الآخر بعد البعث{[2262]} - انتهى .


[2246]:في مد: في.
[2247]:قال أبو حيان: وإنما لم تشق على الخاشعين لأنها منطوية على أوصاف هم متحلون بها لخشوعهم من القيام لله والركوع له والسجود له والرجاء لما عنده من الثواب فلما كان مآل أعمالهم إلى السعادة الأبدية سهل عليهم ما صعب على غيرهم من المنافقين والمرائين بأعمالهم الذين لا يرجون لها نفعا. ومعنى "يظنون" يوقنون قاله الجمهور، لأن من وصف بالخشوع لا يشك أنه ملاق ربه، ويؤيده ما في مصحف عبد الله "يعلمون" قال ابن عطية: قد يوقع الظن موقع اليقين في الأمور المتحققة. لكنه لا يوقع فيما قد خرج إلى الحس.
[2248]:إضافته إليه وإضافته إلى الرب وإضافة الرب إليهم في غاية من الفصاحة، وذلك أن الرب على أي محامله حملته فيه دلالة على الإحسان لمن يربه وتعطف بين لا يدل عليه غير لفظ الرب.
[2249]:ليس في ظ.
[2250]:ليس في ظ.
[2251]:العبارة من هنا إلى "السعادة" ليست في ظ
[2252]:في ظ: عبث.
[2253]:قال أبو حيان: اختلف في الضمير في "إليه" على من يعود، فظاهر الكلام والتركيب الفصيح أنه يعود إلى الرب وأن المعنى وأنهم إلى ربهم راجعون وهو أقرب ملفوظ به، وقيل: يعود على اللقاء الذي يتضمنه ملاقوا ربهم، وقيل: يعود على الموت، وقيل: على الإعادة وكلاهما يدل عليه "ملاقوا" وقيل بالقول الأول وهو أن الضمير يعود على الرب فلا يتحقق الرجوع فيحتاج في تحققه إلى حذف مضاف التقدير إلى أمر ربهم راجعون، وقيل: المعنى بالرجوع الموت، وقيل: راجعون بالإعادة في الآخرة، وهو قول أبي العالية، وقيل: راجعون فيجزيهم أعمالهم، وقيل: راجعون إلى أن لا يملك أحدهم ضرا ولا نفعا لغيره كما كانوا في بدء الخلق. وقال علي المهائمي: "وأنهم إليه راجعون" فيتوقعون في مقابلتها ما يستحقر لأجله مشاقها ويستلذ حتى تنغص الشهوات عندهم، فأي استعانة للعبر عنها أعظم منها في حقهم – انتهى.
[2254]:في م: لا.
[2255]:في م: لا.
[2256]:في م:لانقطاع الأسباب.
[2257]:في مد: هذه.
[2258]:زيد في م ومد: تعالى.
[2259]:في م وظ: علمه.
[2260]:ليس في ظ.
[2261]:ليست في م.
[2262]:ليست في م.