قوله تعالى : { كل نفس } . منفوسة .
قوله تعالى : { ذائقة الموت } . وفي الحديث : " لما خلق الله تعالى آدم اشتكت الأرض إلى ربها لما أخذ منها ، فوعدها أن يرد فيها ما أخذ منها ، فما من أحد إلا ويدفن في التربة التي خلق منها .
قوله تعالى : { وإنما توفون أجوركم } . توفون جزاء أعمالكم .
قوله تعالى : { يوم القيامة } . إن خيرا فخير وإن شراً فشر .
قوله تعالى : { فمن زحزح } . نحي وأزيل .
قوله تعالى : { عن النار وأدخل الجنة فقد فاز } . ظفر بالنجاة ونجا من الخوف .
قوله تعالى : { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } . يعني منفعة ومتعة كالفأس والقدر والقصعة ، ثم يزول ولا يبقى . وقال الحسن : كخضرة النبات ولعب البنات لا حاصل له . قال قتادة : هي متاع متروكة يوشك أن تضمحل بأهلها ، فخذوا من هذا المتاع بطاعة الله ما استطعتم ، " والغرور " الباطل .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أخبرنا محمد بن إسماعيل بن يحيى ، أخبرنا يزيد بن هارون ، أخبرنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " . واقرؤوا إن شئتم ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون ) . وأن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ، واقرؤوا إن شئتم ( وظل ممدود ) ولموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما عليها ، واقرؤوا إن شئتم ( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) .
يخبر تعالى إخبارًا عامًا يعم جميع الخليقة بأن كل نفس ذائقة الموت ، كقوله : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ } فهو تعالى وحده هو الحي الذي لا يموت والإنس والجن يموتون ، وكذلك{[6282]} الملائكة وحملة العرش ، وينفرد الواحد الأحد القهار بالديمومة والبقاء ، فيكون آخرًا كما كان أولا .
وهذه الآية فيها تعزية لجميع الناس ، فإنه لا يبقى أحد على وجه الأرض حتى يموت ، فإذا انقضت المدة وفَرَغَت النطفة التي قدر الله وجودها من صلب آدم وانتهت البرية - أقام الله القيامة وجازى الخلائق بأعمالها جليلها وحقيرها ، كثيرها وقليلها ، كبيرها وصغيرها ، فلا يظلم أحدا مثقال ذرة ؛ ولهذا قال : { وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد العزيز الأويسي ، حدثنا علي بن أبي علي اللِّهْبِيّ{[6283]} عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن{[6284]} علي بن أبى طالب ، رضي الله عنه ، قال : لما تُوفي النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية ، جاءهم آت يسمعون حسّه ولا يرون شخصه فقال : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } إن في{[6285]} الله عَزَاءً من كل مُصِيبة ، وخَلَفًا من كل هالك ، ودركًا من كل فائت ، فبالله فثقوا ، وإياه فارجوا ، فإن المصاب من حرم الثواب ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . قال جعفر بن محمد : فأخبرني أبي أن علي بن أبي طالب قال : أتدرون{[6286]} من هذا ؟ هذا الخضر ، عليه السلام{[6287]} .
وقوله : { فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ } أي : من جنب النار ونجا منها وأدخل الجنة ، فقد فاز كل الفوز .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، حدثنا محمد بن عَمْرو بن علقمة ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة [ رضي الله عنه ]{[6288]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَوْضع سوط في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها ، اقرؤوا إن شئتم : { فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ }{[6289]} .
هذا حديث{[6290]} ثابت في الصحيحين من غير هذا الوجه{[6291]} بدون هذه الزيادة ، وقد رواه بدون هذه{[6292]} الزيادة أبو حاتم ، وابن حبان{[6293]} في صحيحه ، والحاكم في مستدركه ، من حديث محمد بن عمرو هذا . ورواه ابن مردويه [ أيضا ]{[6294]} من وجه آخر فقال :
حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن يحيى ، أنبأنا حُمَيْد بن مسعدة ، أنبأنا عمرو بن علي ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لموضع سَوط أحَدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها " . قال : ثم تلا هذه الآية : { فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ }
وتقدّم عند قوله تعالى : { وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } ما رواه الإمام أحمد ، عن وَكيع{[6295]} عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة ، عن عبد الله بن عَمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أحَبَّ أن يزحزح عن النار وأن يدخل الجنة ، فلتدركه مَنِيَّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، ولْيَأْتِ إلى الناس ما يُحِبُّ أن يؤتى إليه " {[6296]} .
وقوله : { وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ } تصغيرًا{[6297]} لشأن الدنيا ، وتحقيرًا{[6298]} لأمرها ، وأنها دنيئة فانية قليلة زائلة ، كما قال تعالى : { بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى } [ الأعلى : 16 ، 17 ] [ وقال تعالى : { وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مَتَاعٌ } [ الرعد : 26 ] وقال تعالى : { مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ] {[6299]} } [ النحل : 96 ] . وقال تعالى : { وَمَا{[6300]} أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى } [ القصص : 60 ] وفي الحديث : " واللهِ ما الدنيا في الآخرة إلا كما يَغْمِسُ أحدُكُم إصبعه في اليَمِّ ، فلينظر بِمَ تَرْجِع{[6301]} إليه ؟ " {[6302]} .
وقال قتادة في قوله : { وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ } هي متاع ، هي متاع ، متروكة ، أوشكت - والله الذي لا إله إلا هو - أن تَضْمَحِلَّ عن أهلها ، فخذوا من هذا{[6303]} المتاع طاعة الله إن استطعتم ، ولا قوة إلا بالله .
هذا خبر واعظ فيه تسلية للنبي عليه السلام ولأمته عن أمر الدنيا وأهلها ، ووعد في الآخرة ، فبالفكرة في الموت يهون أمر الكفار وتكذيبهم ، والمعنى : كل نفس مخلوقة حية ، والذوق هنا : استعارة { وإنما } حاصرة على التوفية التي هي على الكمال ، لأن من قضي له بالجنة فهو ما لم يدخلها غير موفى ، وخص تعالى ذكر «الأجور » لشرفها وإشارة مغفرته لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته ، ولا محالة أن المعنى : أن يوم القيامة تقع توفية الأجور وتوفية العقاب ، و { زحزح } معناه : أبعد ، والمكان الزحزح : البعيد ، وفاز معناه : نجا من خطره وخوفه ، و { الغرور } ، الخدع والترجية بالباطل ، والحياة الدنيا وكل ما فيها من الأموال فهي متاع قليل تخدع المرء وتمنيه الأباطيل وعلى هذا فسر الآية جمهور من المفسرين ، قال عبد الرحمن بن سابط : { متاع الغرور } كزاد الراعي يزود الكف من التمر أو الشيء من الدقيق يشرب عليه اللبن ، قال الطبري : ذهب إلى أن متاع الدنيا قليل لا يكفي من تمتع به ولا يبلغه سفره .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله : و { الغرور } في هذا المعنى مستعمل في كلام العرب ، ومنه قولهم في المثل : عش ولا تغتر{[3758]} ، أي لا تجتزىء بما لا يكفيك ، وقال عكرمة : { متاع الغرور } ، القوارير أي لا بد لها من الانكسار والفساد ، فكذلك أمر الحياة الدنيا كله .
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه :
وهذا تشبيه من عكرمة ، وقرأ عبد الله بن عمير{[3759]} «الغَرور » بفتح الغين ، وقرأ أبو حيوة والأعمش : { ذائقة } بالتنوين { الموت } بالنصب ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ، «لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها »{[3760]} ، ثم تلا هذه الآية .