المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَدۡ نَعۡلَمُ إِنَّهُۥ لَيَحۡزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَۖ فَإِنَّهُمۡ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ} (33)

33- إننا نعلم أنه ليحزنك أيها النبي ما يقوله الكفار تكذيباً لك ، فلا تحزن من ذلك . لأن الحقيقة أنهم لا يتهمونك بالكذب ، ولكنهم لظلمهم لأنفسهم وللحق يكابرون ، فينكرون بألسنتهم دلائل صدقك ، وعلامات نبوتك .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَدۡ نَعۡلَمُ إِنَّهُۥ لَيَحۡزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَۖ فَإِنَّهُمۡ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ} (33)

قوله تعالى : { قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون } قال السدي : التقي الأخنس بن شريق ، وأبو جهل بن هشام ، فقال الأخنس لأبي جهل : يا أبا الحكم ، أخبرني عن محمد بن عبد الله ، أصادق هو أم كاذب ؟ فإنه ليس هاهنا أحد يسمع كلامك غيري ، فقال أبو جهل : والله إن محمداً لصادق ، وما كذب محمد قط ، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء ، والسقاية ، والحجابة ، والندوة ، والنبوة ، فماذا يكون لسائر قريش ؟ فأنزل الله عز وجل هذه الآية . وقال ناجبة بن كعب : قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم : لا نتهمك ولا نكذبك ، ولكنا نكذب الذي جئت به ، فأنزل الله تعالى : { قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون } بأنك كاذب .

قوله تعالى : { فإنهم لا يكذبونك } ، قرأ نافع والكسائي بالتخفيف ، وقرأ الآخرون بالتشديد ، من التكذيب ، والتكذيب هو أن تنسبه إلى الكذب ، وتقول له : كذبت ، والإكذاب هو أن تجده كاذباً ، تقول العرب : أجدبت الأرض وأخصبتها ، إذا وجدتها جدبة ومخصبة .

قوله تعالى : { ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } ، يقول : إنهم لا يكذبونك في السر ، لأنهم قد عرفوا صدقك فيما مضى ، وإنما يكذبون وحيي ويجحدون آياتي ، كما قال : { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم } [ النمل :94 ] .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَدۡ نَعۡلَمُ إِنَّهُۥ لَيَحۡزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَۖ فَإِنَّهُمۡ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ} (33)

يقول تعالى مسليا لنبيه صلى الله عليه وسلم ، في تكذيب قومه له ومخالفتهم إياه : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ } أي : قد أحطنا علما بتكذيب قومك لك ، وحزنك وتأسفك عليهم ، { فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [ فاطر : 8 ] كما قال تعالى في الآية الأخرى : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 3 ]{ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا } [ الكهف : 7 ]

وقوله : { فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } أي : لا يتهمونك بالكذب في نفس الأمر { وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } أي : ولكنهم يعاندون الحق ويدفعونه بصدورهم ، كما قال سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن ناجية بن كعب ، عن علي [ رضي الله عنه ]{[10649]} قال قال : أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا لا نكذبك ، ولكن نكذب ما جئت به ، فأنزل الله : { فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ }{[10650]}

ورواه الحاكم ، من طريق إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، ثم قال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه{[10651]}

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن الوزير الواسطي بمكة ، حدثنا بِشْر بن المُبَشِّر الواسطي ، عن سلام بن مسكين ، عن أبي يزيد المدني ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي أبا جهل فصافحه ، قال له رجل : ألا أراك تصافح هذا الصابئ ؟ ! فقال : والله إني أعلم{[10652]} إنه لنبي ، ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعا ؟ ! وتلا أبو يزيد : { فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ }

قال أبو صالح وقتادة : يعلمون أنك رسول الله ويجحدون .

وذكر محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، في قصة أبي جهل حين جاء يستمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم من الليل ، هو وأبو سفيان صَخْر بنِ حَرْب ، والأخْنَس بن شريق ، ولا يشعر واحدٌ منهم بالآخر . فاستمعوها إلى الصباح ، فلما هَجَم الصبح تَفرَّقوا ، فجمعتهم الطريق ، فقال كل منهم للآخر : ما جاء بك ؟ فذكر له ما جاء له{[10653]} ثم تعاهدوا ألا يعودوا ، لما يخافون من علم شباب قريش بهم ، لئلا يفتتنوا{[10654]} بمجيئهم فلما كانت الليلة الثانية جاء كل منهم ظَنًا أن صاحبيه لا يجيئان ، لما تقدم من العهود ، فلما أجمعوا{[10655]} جمعتهم الطريق ، فتلاوموا ، ثم تعاهدوا ألا يعودوا . فلما كانت الليلة الثالثة جاؤوا أيضا ، فلما أصبحوا تعاهدوا ألا يعودوا لمثلها [ ثم تفرقوا ]{[10656]}

فلما أصبح الأخنس بن شَرِيق أخذ عصاه ، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته ، فقال : أخبرني{[10657]} يا أبا حَنْظَلة عن رأيك فيما سمعت من محمد ؟ قال : يا أبا ثعلبة ، والله لقد سمعتُ أشياء أعرفها وأعرف ما يُراد بها ، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها . قال الأخنس : وأنا والذي حلفت به .

ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل ، فدخل عليه في بيته فقال : يا أبا الحكم ، ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ قال : ماذا سمعت ؟ تنازعنا{[10658]} نحن وبنو عبد مناف الشرف : أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تَجاثينا على الرُّكَب ، وكنا كَفَرَسي رِهَان ، قالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء ! فمتى ندرك هذه ؟ والله لا نؤمن به أبدًا ولا نصدقه ، قال : فقام عنه الأخنس وتركه{[10659]}

وروى ابن جرير ، من طريق أسباط ، عن السُّدِّي ، في قوله : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } لما كان يوم بدر قال الأخنس بن شَرِيق لبني زهرة : يا بني زهرة ، إن محمدًا ابن أختكم ، فأنتم أحق من كف{[10660]} عنه . فإنه إن كان نبيًا لم تقاتلوه اليوم ، وإن كان كاذبًا كنتم أحق من كف عن ابن أخته قفوا هاهنا حتى ألقى أبا الحكم ، فإن غُلِبَ محمد رجعتم سالمين ، وإن غَلَب محمد فإن قومكم لم يصنعوا بكم شيئا . فيومئذ سُمِّي الأخنس : وكان اسمه " أبيّ " فالتقى الأخنس وأبو جهل ، فخلا الأخنس بأبي جهل فقال : يا أبا الحكم ، أخبرني عن محمد : أصادق هو أم كاذب ؟ فإنه ليس هاهنا من قريش غيري وغيرك يسمع كلامنا . فقال أبو جهل : ويحك ! والله إن محمدًا لصادق ، وما كذب محمد قط ، ولكن إذا ذهبت بنو قُصيّ باللواء والسقاية والحجاب والنبوة ، فماذا يكون لسائر قريش ؟ فذلك قوله : { فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } فآيات الله : محمد صلى الله عليه وسلم .


[10649]:زيادة من أ.
[10650]:رواه الترمذي في السنن برقم (4064) من طريق معاوية بن هشام، عن سفيان به، وقال الترمذي: "وهذا أصح" والطبري في تفسيره (11/334) من طريق عبد الرحمن بن مهدي - وتابعه يحيى بن آدم - عن سفيان به مرسلا.
[10651]:المستدرك (2/315) وتعقبه الذهبي بقول: ناجية بن كعب لم يخرجا له شيئا.
[10652]:في م، أ "لأعلم".
[10653]:في د، أ: "به".
[10654]:في د، م: "يفتنوا".
[10655]:في د، م: "أصبحوا".
[10656]:زيادة من أ.
[10657]:في م: "أخبروني".
[10658]:في م، أ: "قال تنازعنا".
[10659]:سيرة ابن إسحاق برقم (232) طـ - المغرب.
[10660]:في د: "ذب"
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَدۡ نَعۡلَمُ إِنَّهُۥ لَيَحۡزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَۖ فَإِنَّهُمۡ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ} (33)

{ قد يعلم إنه ليحزنك الذي يقولون } معنى قد زيادة الفعل وكثرته كما في قوله :

ولكنه قد يهلك المال نائله *** . . .

والهاء في أنه للشأن . وقرئ { ليحزنك } من أحزن . { فإنهم لا يكذبونك } في الحقيقة . وقرأ نافع والكسائي { لا يكذبونك } من أكذبه إذا وجده كاذبا ، أو نسبة إلى الكذب . { ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } ولكنهم يجحدون بآيات الله ويكذبونها ، فوضع الظالمين موضع الضمير للدلالة على أنهم ظلموا بجحودهم ، أو جحدوا لتمرنهم على الظلم ، والباء لتضمين الجحود معنى التكذيب .