المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَمَكَثَ غَيۡرَ بَعِيدٖ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ وَجِئۡتُكَ مِن سَبَإِۭ بِنَبَإٖ يَقِينٍ} (22)

22- وكان الهدهد قد مكث في مكان غير بعيد زماناً غير مديد ، ثم جاء إلى سليمان يقول له : قد أحطت علماً بما لم يكن عندك علم به ، وجئتك من سبأ بخبر ذي شأن عظيم وهو مستيقن به{[167]} .


[167]:{فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين. إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم. وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون}: هذه هي الآيات الخاصة بمملكة سبأ، وسبأ هي إحدى ممالك بلاد العرب الجنوبية المسماة باليمن المعروفة في العالم القديم "بالعربية السعيدة" وتشير هذه التسمية الأخيرة إلى تقدم اليمن وتراثها، فلقد كان لها حضارة راقية منذ الألف الثاني قبل الميلاد، قامت على الزراعة، وذلك لخصب أراضيها، وملاءمة مناخها، وكذلك على التجارة لتوسطها بين الهند والحبشة والصومال والشام والعرق، والحق أن السدود المنشأة لخزن المياه وتصريفها وأشهرها سد مأرب "انظر سيل العرم، الآية 16 من سورة سبأ" والمدن المحصنة والقصور والهياكل القائمة حين ذاك في أنحائها تشهد إلى اليوم بما كانت تتمتع به هذه البلاد من تقدم اجتماعي وثراء. وإن النقوش التي خلفها حكامهم ـ ومن بين تلك النقوش مجموعة من القوانين التي نظمت شئون الملكية العقارية وغيرها عندهم ـ لتدل كل الدلالة على مبلغ ما وصلوا إليه من حضارة زاهرة، ومملكة سبأ التي كانت في أوج ازدهارها على أيام سليمان ـ عليه السلام ـ "حوالي القرن العاشر ق. م" كان الحكم فيها ـ شأنها شأن مملكة معين قبلها ـ ملكا وراثيا يرثه الأبناء عن الآباء. ومن هنا كانت تحكمها على أيام سليمان ـ عليه السلام ـ ملكة اختلف المؤرخون في اسمها، ويطلق عليها العرب بلقيس. يعاونها شيوخ المملكة الأشراف كمجلس شورى لها "انظر الآيات من 28 ـ 33 من سورة النمل". ولم يثبت التاريخ أن مملكة سبأ كانت دولة فتح بل مملكة تجارة وقوافل. ولا نجد للحرب أو للفتح ذكرا في آثارها إلا قليلا، ولهذا فإن مهمة جيوشها كانت لحفظ القلاع وحمايتها وحراسة القوافل في الغالب. وكان السبئيون وثنيين يعبدون الشمس ـ على نحو ما ورد في الآية الشريفة رقم 24 من هذه السورة ـ والقمر وهما أهم آلهتهم، وكانوا يقدمون لهما القرابين ويحرقون البخور في هياكلهما.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَمَكَثَ غَيۡرَ بَعِيدٖ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ وَجِئۡتُكَ مِن سَبَإِۭ بِنَبَإٖ يَقِينٍ} (22)

فقال الهدهد ما أخبر الله عنه في قوله : { فمكث }قرأ عاصم ، ويعقوب ( فمكث ) بفتح الكاف ، وقرأ الآخرون : بضمها وهما لغتان{ غير بعيد } أي : غير طويل ، { فقال أحطت بما لم تحط به } والإحاطة : العلم بالشيء من جميع جهاته ، يقول : علمت ما لم تعلم ، وبلغت ما لم تبلغه أنت ولا جنودك ، { وجئتك من سبإ } قرأ أبو عمرو ، والبزي عن ابن كثير من سبأ و لسبأ في سورة سبأ ، مفتوحة الهمزة ، وقرأ القواس عن ابن كثير : ساكنة بلا همز ، وقرأ الآخرون بالجر ، فمن لم يجره جعله اسم البلد ، ومن جره جعله اسم رجل ، فقد جاء في الحديث " أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن سبأ فقال : كان رجلاً له عشرة من البنين تيامن منهم ستة وتشاءم أربعة " . { بنبأ } بخبر ، { يقين } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَمَكَثَ غَيۡرَ بَعِيدٖ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ وَجِئۡتُكَ مِن سَبَإِۭ بِنَبَإٖ يَقِينٍ} (22)

يقول تعالى : { فَمَكَثَ } الهدهد { غَيْرَ بَعِيدٍ } أي : غاب زمانًا يسيرًا ، ثم جاء فقال لسليمان : { أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } أي : اطلعت على ما لم تطلع عليه أنت ولا جنودك ، { وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } أي : بخبر صدق حق يقين .

وسبأ : هم : حِمْير ، وهم ملوك اليمن .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَمَكَثَ غَيۡرَ بَعِيدٖ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ وَجِئۡتُكَ مِن سَبَإِۭ بِنَبَإٖ يَقِينٍ} (22)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } .

يعني تعالى ذكره بقوله : فَمَكَثَ غيرَ بَعِيدٍ فمكث سليمان غير طويل من حين سأل عن الهدهد ، حتى جاء الهدهد .

واختلف القرّاء في قراءة قوله : فَمَكَثَ فقرأت ذلك عامة قرّاء الأمصار سوى عاصم : «فَمَكُثَ » بضمّ الكاف ، وقرأه عاصم بفتحها ، وكلتا القراءتين عندنا صواب ، لأنهما لغتان مشهورتان ، وإن كان الضمّ فيها أعجب إليّ ، لأنها أشهر اللغتين وأفصحهما .

وقوله : فَقالَ أحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ يقول : فقال الهدهد حين سأله سليمان عن تخلفه وغيبته : أحطب بعلم ما لم تحط به أنت يا سليمان . كما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أحَطْتُ بِمَا لَمْ تحِطْ بِهِ قال : ما لم تعلم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه فمَكَثَ غيرَ بَعيدٍ ثم جاء الهدهد ، فقال له سليمان : ما خلّفك عن نوبتك ؟ قال : أحطت بما لم تحط به .

وقوله : وَجِئْتُكَ مِنْ سَبإ بِنَبإ يَقِينٍ يقول : وجئتك من سبإ بخبر يقين . وهو ما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه وَجِئْتُكَ مِنْ سَبإٍ بِنَبإٍ يَقِينٍ : أي أدركت ملكا لم يبلغه ملكك .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : مِنْ سَبإٍ فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة مِنْ سَبإٍ بالإجراء . المعني أنه رجل اسمه سبأ . وقرأه بعض قرّاء أهل مكة والبصرة مِنْ سَبإٍ بترك الإجراء ، على أنه اسم قبيلة أو لامرأة .

والصواب من القول في ذلك أن يُقال : إنهما قراءتان مشهورتان ، وقد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب فالإجراء في سبأ ، وغير الإجراء صواب ، لأن سبأ إن كان رجلاً كما جاء به الأثر ، فإنه إذا أريد به اسم الرجل أُجري ، وإن أريد به اسم القبيلة لم يُجْرَ ، كما قال الشاعر في إجرائه :

الْوَارِدُونَ وَتَيْمٌ في ذَرَا سَبإٍ *** قَدْ عَضّ أعْناقَهُمْ جِلدُ الجَوَاميسِ

يروى : ذرا ، وذرى ، وقد حُدثت عن الفرّاء عن الرؤاسي أنه سأل أبا عمرو بن العلاء كيف لم يجر سبأ ؟ قال : لست أدري ما هو فكأن أبا عمرو ترك إجراءه ، إذ لم يدرِ ما هو ، كما تفعل العرب بالأسماء المجهولة التي لا تعرفها من ترك الإجراء . حكي عن بعضهم : هذا أبو معرورَ قد جاء ، فترك إجراءه إذ لم يعرفه في أسمائهم . وإن كان سبأ جبلاً ، أجري لأنه يُراد به الجبل بعينه ، وإن لم يجر فلأنه يجعل اسما للجبل وما حوله من البقعة .