قوله تعالى : { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم } ، معناه : أنه لا سبيل على الأولين ولا على هؤلاء الذين أتوك وهم سبعة نفر سموا البكائين : معقل بن يسار ، وصخر بن خنساء ، وعبد الله بن كعب الأنصاري ، وعلبة بن زيد الأنصاري ، وسالم بن عمير ، وثعلبة بن غنمة ، وعبد الله بن مغفل المزني ، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله إن الله قد ندبنا إلى الخروج معك فاحملنا . واختلفوا في قوله : { لتحملهم } قال ابن عباس : سألوه أن يحملهم على الدواب . وقيل سألوه أن يحملهم على الخفاف المرقوعة والنعال المخصوفة ، ليغزوا معه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا أجد ما أحملكم عليه " تولوا ، وهم يبكون ، فذلك قوله تعالى : { تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون } .
وقال مجاهد في قوله : { وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ } نزلت في بني مقرن من مزينة .
وقال محمد بن كعب : كانوا سبعة نفر ، من بني عمرو بن عوف : سالم بن عُمَيْر{[13777]} - ومن بني واقف : هَرَمي{[13778]} بن عمرو - ومن بني مازن بن النجار : عبد الرحمن بن كعب ، ويكنى أبا ليلى - ومن بني المُعَلى : [ سلمان بن صخر - ومن بني حارثة : عبد الرحمن بن يزيد ، أبو عبلة ، وهو الذي تصدق بعرضه فقبله الله منه ]{[13779]} ومن بني سَلِمة : عمرو بن عَنَمة{[13780]} وعبد الله بن عمرو المزني .
وقال محمد بن إسحاق في سياق غزوة تبوك : ثم إن رجالا من المسلمين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وهم البكاءون ، وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم ، من بني عمرو بن عوف : سالم بن عُمَير{[13781]} وعلبة بن زيد أخو بني حارثة ، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب ، أخو بني مازن بن النجار ، وعمرو بن الحمام بن الجموح ، أخو بني سَلِمة ، وعبد الله بن المُغَفَّل المزني ؛ وبعض الناس يقول : بل هو عبد الله بن عمرو المزني ، وهَرَميّ بن عبد الله ، أخو بني واقف ، وعِرْباض{[13782]} بن سارية الفزاري ، فاستحملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا أهل حاجة ، فقال : لا أجد ما أحملكم عليه فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون{[13783]} وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمر بن الأودي ، حدثنا وَكيع ، عن الربيع ، عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد خلفتم بالمدينة أقواما ، ما أنفقتم من نفقة ، ولا قطعتم واديا ، ولا نلتم من عدو نيلا إلا وقد شَركوكم في الأجر " ، ثم قرأ : { وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ } الآية .
وأصل هذا الحديث في الصحيحين من حديث{[13784]} أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن بالمدينة أقواما ما قطعتم واديا ، ولا سرتم [ مسيرًا ]{[13785]} إلا وهم معكم " . قالوا : وهم بالمدينة ؟ قال : " نعم ، حبسهم العذر " {[13786]} وقال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، حدثنا الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد خلفتم بالمدينة رجالا{[13787]} ما قطعتم واديًا ، ولا سلكتم طريقًا إلا شَركوكم في الأجر ، حبسهم المرض " .
ورواه مسلم ، وابن ماجه ، من طرق ، عن الأعمش ، به{[13788]}
القول في تأويل قوله تعالى ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون .
يقول تعالى ذكره ولا سبيل أيضا على النفر الذين إذا ما جاءوك لتحملهم يسألونك الحُمْلان ليبلغوا إلى مغزاهم لجهاد أعداء الله معك يا محمد ، قلت لهم : لا أجد حمولة أحملكم عليها تَوَلّوْا يقول : أدبروا عنك ، وأعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدّمْعِ حَزَنا وهم يبكون من حزن على أنهم لا يجدون ما ينفقون ويتحملون به للجهاد في سبيل الله .
وذكر بعضهم أن هذه الآية نزلت في نفر من مُزينة . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَلا على الّذِينَ إذَا ما أتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أجدُ ما أحْمِلكُمْ عَلَيْهِ قال : هم من مُزَينة .
حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : وَلا على الّذِينَ إذَا ما أتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قال : هم بنو مقرّن من مزينة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن جريج ، قراءة عن مجاهد في قوله : وَلا على الّذِينَ إذَا ما أتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ . . . إلى قوله : حزَنَا أن لا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ قال : هم بنو مقرن من مزينة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَلا على الّذِينَ إذَا ما أتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قال : هم بنو مُقَرّن من مزينة .
قال : حدثنا أبي ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن عروة ، عن ابن مغفل المزني ، وكان أحد النفر الذين أنزلت فيهم : وَلا على الّذِينَ إذَا أتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ . . . الآية .
حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة ، عن ابن جريج عن مجاهد ، في قوله : تَوَلّوْا وأعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدّمْعِ حَزَنا قال : منهم ابن مُقَرّن . وقال سفيان : قال الناس : منهم عِرْباض بن سارية .
وقال آخرون : بل نزلت في عِرْباض بن سارية . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن مَعْدان ، عن عبد الرحمن بن عمرو والسّلَمِي ، وحُجْر بن حُجْر الكَلاعي ، قالا : دخلنا على عِرْباض بن سارية ، وهو الذي أنزل فيه : وَلا على الّذِينَ إذَا أتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ . . . الآية .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سليمان بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا الوليد ، قال : حدثنا ثور ، عن خالد ، عن عبد الرحمن بن عمرو ، وحجر بن حجر بنحوه .
وقال آخرون : بل نزلت في نفر سبعة من قبائل شتى . ذكر من قال ذلك :
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب وغيره ، قال جاء ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحملونه ، فقال : «لا أجِدُ ما أحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ » فأنزل الله : وَلا على الّذِينَ إذَا ما أتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ . . . الآية ، قال : هم سبعة نفر من بني عمرو بن عوف سالم بن عمير ، ومن بنى واقف : حِرْميّ بن عمرو ، ومن بني مازن بن النجار : عبد الرحمن بن كعب ، يكنى أبا ليلى ، ومن بني المُعلّى : سَلْمان بن صخر ، ومن بني حارثة : عبد الرحمن بن يزيد أبو عبلة ، وهو الذي تصدّق بعرضه فقبله الله منه ، ومن بني سَلِمة : عمرو بن غنمة ، وعبد الله بن عمرو المزني .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قوله : وَلا على الّذِينَ إذَا ما أتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ إلى قوله : حَزَنا وهم البكاءون كانوا سبعة ، والله أعلم .