فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوۡكَ لِتَحۡمِلَهُمۡ قُلۡتَ لَآ أَجِدُ مَآ أَحۡمِلُكُمۡ عَلَيۡهِ تَوَلَّواْ وَّأَعۡيُنُهُمۡ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ} (92)

ثم ذكر الله سبحانه من جملة المعذورين من تضمنه قوله { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه } العطف على جملة ما على المحسنين أو على الضعفاء أي لا عليهم حرج ، والمعنى أن من جملة المعذورين هؤلاء الذين أتوك لتحملهم على ما يركبون عليه في الغزو فلم تجد ذلك الذي طلبوه منك قيل هم سبعة من الأنصار وقيل بنو مقرن ، وقيل المعنى إذا ما أتوك قائلا لا أجد وقيل غير ذلك وهذا أولى .

وفي إيثار هذا التعبير على " ليس عندي " لطف في الكلام وتطييب لقلوب السائلين كأنه قال أنا أطلب ما تسألونه وأفتش عنه فلا أجده فأنا معذور ، وعن أنس في الآية قال : الماء والزاد . وعن علي بن صالح قال : حدثني مشيخة من جهينة قالوا : أدركنا الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحملان فقالوا ما سألناه إلا الحملان على النعال .

وعن إبراهيم بن أدهم عمن حدثه في الآية قال : ما سألوه الدواب ، ما سألوه إلا النعال . وعن الحسن بن صالح قال استحملوه النعال .

{ تولوا } أي انصرفوا عنك لما قلت لهم لا أجد ما أحملكم عليه { وأعينهم تفيض } أي تسيل { من الدمع } أي حال كونهم باكين ، ومن للبيان ، وفي الشهاب أن الفيض انصباب عن امتلاء فوضع موضع الامتلاء للمبالغة ، من فرط البكاء كأنها تفيض بأنفسها ، يعني أن الفيض مجاز عن الامتلاء بعلاقة السببية فإن الثاني سبب للأول ، فالمجاز في المسند والدمع هو ذلك الماء أو الفيض على حقيقته ، والتجوز في إسناده إلى العين للمبالغة كجري النهر . ومن التعليل :

{ حزنا ألا يجدوا } قال الفراء : أي ليس يجدوا ، وقيل حزنا على أن لا يجدوا وقيل المعنى حزنا أنهم لا يجدوا ، وقيل لأجل أن لا يجدوا { ما ينفقون } في الجهاد لا عند أنفسهم ولا عندك .

عن محمد بن كعب قال : هم سبعة نفر من بني عمرو بن عوف : سالم ابن عمير ومن بني واقف حرمى بن عمرو ، ومن بني مازن بن النجار عبد الرحمن بن كعب يكنى أبا ليلى ومن بني المعلى سلمان بن صخر ؛ ومن بني حارثة عبد الرحمن ابن زيد أبو غيلة ، ومن بني سلمة عمرو بن غنمة وعبد الله بن عمرو المزني ، من ثم{[914]} قيل لهم البكاءون فحمل العباس منهم اثنين وعثمان ثلاثة زيادة على الجيش الذي جهزه وهو ألف . وحمل يامين بن عمرو النضرى اثنين ، كذا في مختصر سيرة الحلبي .

وقد اتفق الرواة على بعض هؤلاء السبعة واختلفوا في البعض ولا يأتي التطويل في مثل ذلك بكثير فائدة .


[914]:- بفتح الثناء أي ومن هنا.