ثم ذكر العذر الراجع إلى المال ، لا إلى البدن فقال : { وَلاَ عَلَى الذين لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ }أي : ليست لهم أموال ينفقونها فيما يحتاجون إليه من التجهز للجهاد ، فنفى سبحانه عن هؤلاء الحرج ، وأبان أن الجهاد مع هذه الأعذار ساقط عنهم غير واجب عليهم ، مقيداً بقوله : { إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } وأصل النصح : إخلاص العمل من الغش ، ومنه التوبة النصوح . قال نفطويه : نصح الشيء : إذا خلص ، ونصح له القول ، أي أخلصه له . والنصح لله : الإيمان به ، والعمل بشريعته . وترك ما يخالفها كائناً ما كان ، ويدخل تحته دخولاً أوّلياً نصح عباده . ومحبة المجاهدين في سبيله ، وبذل النصيحة لهم في أمر الجهاد . وترك المعاونة لأعدائهم بوجه من الوجوه ؛ ونصيحة الرسول صلى الله عليه وسلم : التصديق بنبوته وبما جاء به ، وطاعته في كل ما يأمر به ، أو ينهي عنه ، وموالاة من والاه ، ومعاداة من عاداه ، ومحبته وتعظيم سنته ، وإحياؤها بعد موته بما تبلغ إليه القدرة . وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " الدين النصيحة ثلاثاً " ، قالوا : لمن ؟ قال : «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم » وجملة : { مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ } مقرّرة لمضمون ما سبق : أي ليس على المعذورين الناصحين من سبيل : أي طريق عقاب ومؤاخذة . ومن مزيدة للتأكيد ، وعلى هذا فيكون لفظ { المحسنين } موضوعاً في موضع الضمير الراجع إلى المذكورين سابقاً . أو يكون المراد : ما على جنس المحسنين من سبيل ، وهؤلاء المذكورون سابقاً من جملتهم ، فتكون الجملة تعليلية . وجملة : { والله غَفُور رحِيم } تذييللية . وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : { لاَ يُكَلّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } ، وقوله : { لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعرج حَرَج وَلاَ عَلَى المريض حَرَج } .
وإسقاط التكليف عن هؤلاء المعذورين ، لا يستلزم عدم ثبوت ثواب الغزو لهم الذي عذرهم الله عنه ، مع رغبتهم إليه لولا حبسهم العذر عنه ، ومنه حديث أنس عند أبي داود وأحمد ، وأصله في الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لقد تركتم بعدكم قوماً ما سرتم من مسير ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم وادياً إلا وهم معكم فيه »
قالوا : يا رسول الله ، وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة ؟ فقال : «حبسهم العذر » وأخرجه أحمد ، ومسلم ، من حديث جابر .
ثم ذكر الله سبحانه من جملة المعذورين من تضمنه قوله : { وَلاَ عَلَى الذين إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ } والعطف على جملة { مَا عَلَى المحسنين } أي : ولا على الذين إذا ما أتوك إلى آخره من سبيل . ويجوز أن تكون عطفاً على الضعفاء : أي ولا على إذا ما أتوك إلى آخره حرج . والمعنى : أن من جملة المعذورين هؤلاء الذين أتوك لتحملهم على ما يركبون عليه في الغزو ، فلم تجد ذلك الذي طلبوه منك . قيل : وجملة { لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ } في محل نصب على الحال من الكاف في { أتوك } بإضمار قد : أي إذا ما أتوك قائلاً لا أجد . وقيل : هي بدل من أتوك . وقيل : جملة معترضة بين الشرط والجزاء ، والأوّل : أولى . وقوله : { تَوَلَّوْاْ } جواب «إذا » ، وجملة : { وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع } في محل نصب على الحال : أي تولوا عنك لما قلت لهم : لا أجد ما أحملكم عليه ، حال كونهم باكين ، و { حَزَناً } منصوب على المصدرية ، أو على العلية ، أو الحالية ، و { أَن لا يَجِدُواْ } مفعول له ، وناصبه { حَزَناً } وقال الفراء : أن لا بمعنى ليس : أي حزناً أن ليس يجدوا . وقيل المعنى : حزناً على أن لا يجدوا . وقيل المعنى : حزناً أنهم لا يجدون ما ينفقون ، لا عند أنفسهم ولا عندك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.