إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوۡكَ لِتَحۡمِلَهُمۡ قُلۡتَ لَآ أَجِدُ مَآ أَحۡمِلُكُمۡ عَلَيۡهِ تَوَلَّواْ وَّأَعۡيُنُهُمۡ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ} (92)

{ وَلاَ عَلَى الذين إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ } عطفٌ على المحسنين كما يُؤذِن به قولُه عز وجل فيما سيأتي : { إِنَّمَا السبيل } الآية ، وقيل : عطفٌ على الضعفاء وهم البكّاؤون ، سبعةٌ من الأنصار : معقِلُ بنُ يسارَ وصخرُ بنُ خنساءَ وعبدُ اللَّه بنُ كعبٍ وسالمُ بنُ عميرٍ وثعلبةُ بنُ غنمةَ وعبدُ اللَّه بنُ معقِلٍ وعلبةُ بنُ زيد أتوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : نذرْنا الخروجَ فاحمِلنا على الخِفافِ المرقوعة والنعالِ المخصوفة نغْزُ معك فقال عليه السلام : «لا أجد » ، فتولَّوا وهم يبكون ، وقيل : هم بنو مُقرِّن معقِلٌ وسويدٌ ونُعمانُ وقيل : أبو موسى الأشعريُّ وأصحابُه رضي الله عنه تعالى عنهم { قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ } حالٌ من الكاف في أتوك بإضمار قد وما عامةٌ لِما سألوه عليه السلام وغيرَه مما يُحمل عليه عادة وفي إيثار ( لا أجد ) على ليس عندي من تلطيف الكلامِ وتطييبِ قلوبِ السائلين ما لا يخفى كأنه عليه السلام يطلب ما يسألونه على الاستمرار فلا يجده { تَوَلَّوْاْ } جوابُ إذا { وأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ } أي تسيل بشدة { مِنَ الدمع } أي دمعاً فإن من البيانية مع مجرورها في حيز النصب على التمييز وهو أبلغُ من يفيض دمعُها لإفادتها أن العينَ بعينها صارت دمعاً فيّاضاً والجملةُ حاليةٌ وقوله عزّ اسمُه : { حَزَناً } نُصب على العلية أو الحالية أوالمصدرية لفعل دل عليه ما قبله أي تفيض للحزن فإن الحزنَ يُسند إلى العين مجازاً كالفيض ، أو تولوا له أو حزِنين أو يحزنون حزناً فتكون هذه الجملةُ حالاً من الضمير في تفيض { أَلاَّ يَجِدُواْ } على حذف لامٍ متعلقة بحَزَناً أو تفيض أي لئلا يجدوا { مَا يُنْفِقُونَ } في شراء ما يحتاجون إليه إذ لم يجدوه عندك .