قوله تعالى : { وَلاَ عَلَى الَّذِينَ } : فيه أوجه ، أحدها : أن يكون معطوفاً على " الضعفاء " ، أي : ليس على الضعفاء ولا على الذين إذا ما أَتَوْك ، فيكونون داخلين في خبر ليس ، مُخبراً بمتعلقهم عن اسمِها وهو " حَرَج " . الثاني : أن يكون معطوفاً على " المحسنين " فيكونون داخلين فيما أَخْبر به عن قوله " من سبيل " ، فإنَّ " مِنْ سبيل " يحتمل أن يكون مبتدأً ، وأن يكون اسمَ " ما " الحجازية ، و " مِنْ " مزيدةٌ في الوجهين . الثالث : أن يكون { وَلاَ عَلَى الَّذِينَ } خبراً لمبتدأ محذوف تقديره : ولا على الذين إذا ما أتوك إلى آخرِ الصلةِ حرجٌ أو سبيل ، وحُذِفَ لدلالةِ الكلامِ عليه ، قاله أبو البقاء ، ولا حاجةَ إليه لأنه تقديرٌ مُسْتغنىً عنه ، إذ قد قَدَّر شيئاً يقومُ مقامَه هذا الموجودُ في اللفظ والمعنى . وهذا الموصولُ يحتمل أن يكونَ مندرجاً في قوله { وَلاَ عَلَى / الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ } وذُكِروا على سبيل نفي الحرج عنهم وأن لا يكونوا مندرجين ، بأن يكون هؤلاء وجدوا ما ينفقون ، إلا أنهم لم يجدوا مَرْكوباً .
وقرأ معقل بن هرون " لنَحْملهم " بنونِ العظمة . وفيها إشكالٌ ، إذ كان مقتضى التركيبِ : قلت لا أجدُ ما يَحْملكم عليه الله .
قوله : " قلت " فيه أربعةُ أوجهٍ ، أحدُها : أنه جوابُ " إذا " الشرطية ، و " إذا " ، وجوابُها في موضعِ الصلة ، وقعت الصلةُ جملةً شرطيةً ، وعلى هذا فيكون قوله " تَوَلَّوا " جواباً لسؤالٍ مقدرٍ ، كأن قائلاً قال : " ما كان حالُهم إذا أُجيبوا بهذا الجواب ؟ فأُجيب بقوله " تولُّوا " . الثاني : أنه في موضع نصب على الحال من كاف " أَتَوْك " ، أي : إذا أَتَوْك وأنت قائلٌ : لا أجدُ ما أحملكم عليه ، و " قد " مقدرة عند مَنْ يشترط ذلك في الماضي الواقع حالاً كقوله : { أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ } [ النساء : 90 ] في أحد أوجهه ، كما تقدم تحقيقه ، وإلى هذا نحا الزمخشري . الثالث : أن يكونَ معطوفاً على الشرط ، فيكونَ في محلِّ جرٍ بإضافة الظرف إليه بطريق النَّسَق ، وحُذِفَ حرفُ العطفِ ، والتقدير : وقلت : وقد تقدم لك كلامٌ في هذه المسألةِ وما استشهد الناس به عليها . وإلى هذا ذهب الجرجانيُّ ، وتبعه ابن عطية ، إلا أنه قدَّر العاطفَ فاءً ، أي : فقلت . الرابع : أن يكونَ مستأنفاً . قال الزمخشري : " فإنْ قلت : هل يجوزُ أن يكونَ قولُه " قلت لا أجدُ " استئنافاً مثله " يعني مثل { رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ } كأنه قيل : إذا ما أَتَوْك لتحملهم تَوَلَّوا ، فقيل : ما لهم تَوَلَّوا باكين [ فقيل ] قلت : لا أجد ما أحملكم عليه ، إلا أنه وسطٌ بين الشرطِ والجزاءِ كالاعتراض .
قال الشيخ : " ولا يجوزُ ولا يَحْسُن في كلام العرب فكيف في كلام الله ؟ وهو فَهْمُ أعجميٍّ " . قلت : وما أدري ما سَبَبُ منعه وعدم استحسانه له مع وضوحه وظهوره لفظاً ومعنى ؟ وذلك لأن تولِّيَهم على حاله ، فيصير الدمع ليس مترتباً على مجردِ مجيئهم له عليه السلام ليحملَهم ، بل على قوله لهم { لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ } ، وإذا كان كذلك فقوله عليه السلام لهم ذلك سببٌ في بكائهم ، فَحَسُن أن يُجْعَلَ قوله { قُلْتَ : لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ } جواباً لمَنْ سأل عن علِة تَوَلِّيهم وأعينُهم فائضةٌ دمعاً ، وهو المعنى الذي قَصَدَه أبو القاسم . وعلى هذه الأوجهِ الثلاثة التي قَدَّمتها في " قلت " يكون جوابه قوله " تولَّوا " ، وقوله " لتحملَهم " علةٌ ل " أَتَوْك " . وقوله " لا أجد " هي المتعديةُ لواحدٍ لأنها من الوُجْد . و " ما " يجوز أن تكونَ موصولةً أو موصوفةً .
قوله : { وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ } في محلِّ نصبٍ على الحال مِنْ فاعل " تَوَلَّوا " ، قال الزمخشري : " تفيضُ من الدمع " كقولك : تفيض دمعاً ، وقد تقدَّم هذا في المائدة مستوفىً عند قوله : { تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ } [ التوبة : 83 ] وأنه جعل " من الدمع " تمييزاً ، و " مِنْ " مزيدةً ، وتقدَّم الردُّ عليه في ذلك هناك فعليك بالالتفات إليه .
قوله : { حَزَناً } في نصبه ثلاثةُ أوجه ، أحدها : أنه مفعولٌ مِنْ أجله والعاملُ في " تفيض " قاله الشيخ . لا يُقال إن الفاعلَ هنا قد اختلف ، فإن الفَيْضَ مسند للأعين والحزنَ صادرٌ من أصحاب الأعين ، وإذا اختلف الفاعل وَجَبَ جرُّه بالحرف لأنَّا نقول : إن الحزنَ يُسْنَدُ للأعين أيضاً مجازاً يقال : عين حزينةٌ وسخينة ، وعين مسرورةٌ وقريرة في ضدِّ ذلك . ويجوز أن يكونَ الناصب له " تَوَلَّوا " وحينئذٍ يتحد فاعلا العلةِ والمعلول حقيقةً . الثاني : أنه في محلِّ نصبٍ على الحال ، أي : تَوَلَّوا حزينين أو تفيض أعينُهم حزينةً على ما تقدَّم من المجاز . الثالث : أنه مصدر ناصبُه مقدرٌ مِنْ لفظِه ، أي : يحزنون حزناً قاله أبو البقاء . وهذه/ الجملةُ التي قدَّرها ناصبة لهذا المصدر هي أيضاً في محلِّ نصبٍ على الحال : إمَّا من فاعل " تَوَلَّوا " وإمَّا من فاعل " تفيض " .
قوله : { أَلاَّ يَجِدُواْ } فيه وجهان ، أحدهما : أنه مفعولٌ من أجله ، والعامل فيه " حَزَناً " إنْ أعربناه مفعولاً له أو حالً ، وأمَّا إذا أعربناه مصدراً فلا ، لأن المصدر لا يعمل إذا كان مؤكداً لعامِله ، وعلى القول بأنَّ " حَزَناً " مفعول من أجله يكون " أن لا يَجِدوا " علةً العلة ، يعني أنه يكون عَلَّلَ فيْضَ الدمع بالحزن ، وعَلَّل الحزن بعدم وُجْدان النفقة ، وهذا واضحٌ ، وقد تقدَّم لك نظيرُ ذلك في قوله { جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ } [ المائدة : 38 ] . والثاني : أنه متعلق ب " تفيض " . قال الشيخ : " قال أبو البقاء : " ويجوز أن يتعلَّق ب " تفيض " . ثم قال الشيخ : " ولا يجوز ذلك على إعرابه " حزناً " مفعولاً له ، والعامل فيه " تفيض " ، إذ العاملُ لا يقتضي اثنين من المفعول له إلا بالعطف أو البدل " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.