قوله تعالى : { هو الذي يصلي عليكم وملائكته } فالصلاة من الله : الرحمة ، ومن الملائكة : الاستغفار للمؤمنين . قال السدي قالت بنو إسرائيل لموسى : أيصلي ربنا ؟ فكبر هذا الكلام على موسى ، فأوحى الله إليه : أن قل لهم : إني أصلي ، وأن صلاتي رحمتي ، وقد وسعت رحمتي كل شيء . وقيل : الصلاة من الله على العبد هي إشاعة الذكر الجميل له في عباده . وقيل : الثناء عليه . قال أنس : لما نزلت : { إن الله وملائكته يصلون على النبي } قال أبو بكر : ما خصك الله يا رسول الله بشرف إلا وقد أشركنا فيه ، فأنزل الله فيه هذه الآية . قوله : { ليخرجكم من الظلمات إلى النور } أي : من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ، يعني أنه برحمته وهدايته ودعاء الملائكة لكم أخرجكم من ظلمة الكفر إلى النور . { وكان بالمؤمنين رحيماً* }
وقوله : { هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ } : هذا تهييج إلى الذكر ، أي : إنه سبحانه يذكركم فاذكروه أنتم ، كقوله تعالى : { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ . فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ } [ البقرة : 151 ، 152 ] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يقول الله : مَنْ ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومَنْ ذكرني في مَلأ ذكرته في ملأ خير منهم " {[23619]}
والصلاة من الله ثناؤه على العبد عند الملائكة ، حكاه البخاري عن أبي العالية . ورواه أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عنه .
وقال غيره : الصلاة من الله : الرحمة [ ورد بقوله : { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ } ] {[23620]}
وقد يقال : لا منافاة بين القولين والله أعلم .
وأما الصلاة من الملائكة ، فبمعنى الدعاء للناس والاستغفار{[23621]} ، كقوله : { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ } الآية . [ غافر : 7 - 9 ] .
وقوله : { لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } أي : بسبب رحمته بكم وثنائه عليكم ، ودعاء ملائكته لكم ، يخرجكم من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الهدى واليقين . { وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا } أي : في الدنيا والآخرة ، أما في الدنيا : فإنه هداهم إلى الحق الذي جهله غيرهم ، وبَصّرهم الطريق الذي ضَلَّ عنه وحاد عنه من سواهم من الدعاة إلى الكفر أو البدعة وأشياعهم {[23622]} من الطغام{[23623]} . وأما رحمته بهم في الآخرة : فآمنهم من الفزع الأكبر ، وأمر ملائكته يتلقونهم بالبشارة بالفوز بالجنة والنجاة من النار ، وما ذاك إلا لمحبته لهم ورأفته بهم .
قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن حميد ، عن أنس ، رضي الله عنه ، قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه وصبي في الطريق ، فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ ، فأقبلت تسعى وتقول : ابني ابني ، وَسَعَت فأخذته ، فقال القوم : يا رسول الله ، ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار . قال : فَخَفَّضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " ولا الله{[23624]} ، لا يلقي حبيبه في النار " .
إسناده على شرط الصحيحين ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة{[23625]} ، ولكن في صحيح الإمام البخاري ، عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة من السبي قد أخذت صبيا لها ، فألصقته إلى صدرها ، وأرضعته فقال : " أترون هذه تلقي ولدها في النار وهي تقدر على ذلك ؟ " قالوا : لا . قال : " فوالله ، لله أرحم بعباده من هذه بولدها " {[23626]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.