المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرۡتُمۡ يَوۡمٗا يَجۡعَلُ ٱلۡوِلۡدَٰنَ شِيبًا} (17)

17- فكيف تدفعون عنكم إن كفرتم عذاب يوم يجعل الشُّبان لهوله شيوخاً ضعافاً .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرۡتُمۡ يَوۡمٗا يَجۡعَلُ ٱلۡوِلۡدَٰنَ شِيبًا} (17)

{ فكيف تتقون إن كفرتم } أي : كيف لكم بالتقوى يوم القيامة إذ كفرتم في الدنيا يعني لا سبيل لكم إلى التقوى إذا وافيتم يوم القيامة ؟ وقيل : معناه كيف تتقون العذاب يوم القيامة وبأي شيء تتحصنون منه إذا كفرتم ؟ { يوما يجعل الولدان شيبا } شمطاً من هوله وشدته ، ذلك حين يقال لآدم قم فابعث بعث النار من ذريتك .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرۡتُمۡ يَوۡمٗا يَجۡعَلُ ٱلۡوِلۡدَٰنَ شِيبًا} (17)

فذلك أخذ الآخرة وهذا أخذ الدنيا ؛ فكيف تنجون بأنفسكم وتقوها هذا الهول الرعيب ?

( فكيف تتقون - إن كفرتم - يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به ? ) . .

وإن صورة الهول هنا لتنشق لها السماء ، ومن قبل رجفت لها الأرض والجبال . وإنها لتشيب الولدان . وإنه لهول ترتسم صوره في الطبيعة الصامتة ، وفي الإنسانية الحية . . في مشاهد ينقلها السياق القرآني إلى حس المخاطبين كأنها واقعة . . ثم يؤكدها تأكيدا . ( كان وعده مفعولا ) . . واقعا لا خلف فيه . وهو ما شاء فعل وما أراد كان !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرۡتُمۡ يَوۡمٗا يَجۡعَلُ ٱلۡوِلۡدَٰنَ شِيبًا} (17)

الاستفهام ب ( كيف ) مستعمل في التعجيز والتوبيخ وهو متفرع بالفاء على ما تضمنه الخطاب السابق من التهديد على تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم وما أدمج فيه من التسجيل بأن الرسول صلى الله عليه وسلم شاهد عليهم فليس بعد الشهادة إلاّ المؤاخذة بما شهد به ، وقد انتقل بهم من التهديد بالأخذ في الدّنيا المستفاد من تمثيل حالهم بحال فرعون مع موسى إلى الوعيد بعقاب أشد وهو عذاب يوم القيامة وقد نشأ هذا الاستفهام عن اعتبارهم أهل اتِّعاظ وخوف من الوعيد بما حلّ بأمثالهم مما شأنُه أن يثير فيهم تفكيراً من النجاة من الوقوع فيما هُدِّدوا به ، وأنهم إن كانوا أهل جلادة على تحمل عذاب الدّنيا فماذا يصنعون في اتقاء عذاب الآخرة ، فدلّت فاء التفريع واسم الاستفهام على هذا المعنى .

فالمعنى : هبكم أقدمتم على تحمل عذاب الدنيا فكيف تتقون عذاب الآخرة ، ففعل الشرط من قوله : { إِنْ كفرتم } مستعمل في معنى الدوام على الكفر لأن ما يقتضيه الشرط من الاستقبال قرينة على إرادة معنى الدّوام من فعل { كفرتم } وإلاّ فإن كفرهم حاصل من قبل نزول هذه الآية .

و { يوماً } منصوب على المفعول به ل { تتقون } . واتقاء اليوم باتقاء ما يقع فيه من عذاب أي على الكفر .

ووصف اليوم بأنه { يجعل الولدان شيباً } وصف له باعتبار ما يقع فيه من الأهوال والأحزان ، لأنه شاع أن الهم مما يسرع به الشيب فلما أريد وصف همّ ذلك اليوم بالشدة البالغة أقواها أسند إليه يشيب الولدان الذين شعرهم في أول سواده . وهذه مبالغة عجيبة وهي من مبتكرات القرآن فيما أحسب ، لأني لم أر هذا المعنى في كلام العرب وأما البيت الذي يذكر في شواهد النحو وهو :

إذن والله نَرميهم بحرب *** تُشيب الطفل من قبل المشيب

فلا ثبوت لنسبته إلى من كانوا قبل نزول القرآن ولا يعرف قائله ، ونسبه بعض المؤلفين إلى حسان بن ثابت . وقال العيني : لم أجده في ديوانه . وقد أخذ المعنى الصمّة ابن عبد الله القشيري في قوله :

دَعانيَ من نجدٍ فإن سنينه *** لَعِبْنَ بنا شِيباً وشيبننا مردا

وهو من شعراء الدولة الأموية وإسناد { يجعل الولدان شيباً } إلى اليوم مجاز عقلي بمرتبتين لأن ذلك اليوم زمَن الأهوال التي تشيب لمثلها الأطفال ، والأهوال سبب للشيب عرفاً .

والشيب كناية عن هذا الهول فاجتمع في الآية مجازان عقليان وكناية ومبالغة في قوله : { يجعل الولدان شيباً .

وجملة { السماء منفطر به } صفة ثانية .

والبَاء بمعنى ( في ) وهو ارتقاء في وصف اليوم بحدوث الأهوال فيه فإن انفطار السماء أشد هولاً ورعباً مما كني عنه بجملة { يجعل الولدان شيباً } . أي السماء عَلى عظمها وسمكها تنفطر لذلك اليوم فما ظنكم بأنفسكم وأمثالكم من الخلائق فيه .

والانفطار : التشقق الذي يحدث في السماء لنزول الملائكة وصعودهم كما تقدم في قوله تعالى : { تعرج الملائكة والروح إليه } في سورة المعارج ( 4 ) .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرۡتُمۡ يَوۡمٗا يَجۡعَلُ ٱلۡوِلۡدَٰنَ شِيبًا} (17)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فكيف تتقون} يعني وكيف لا يتقون عذاب يوم يجعل فيه الولدان شيبا، ويسكر الكبير من غير شراب، ويشيب الصغير من غير كبر من أهوال يوم القيامة.

{إن كفرتم} في الدنيا.

{يوما يجعل الولدان شيبا}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره للمشركين به: فكيف تخافون أيها الناس يوما يجعل الولدان شيبا إن كفرتم بالله، ولم تصدّقوا به.

عن قتادة، في قوله:"فَكَيْفَ تَتّقُونَ إنْ كَفَرْتُمْ يَوْما يَجْعَلُ الوِلْدَانَ شِيبا "يقول: كيف تتقون يوما وأنتم قد كفرتم به ولا تصدّقون به...

والله لا يتقي من كفر بالله ذلك اليوم.

وقوله: "يَوْما يَجْعَلُ الوِلْدَانَ شِيبا" يعني يوم القيامة، وإنما تشيب الولدان من شدّة هوله وكربه...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا} فهو يحتمل أوجها:

أحدها: أي كيف تتقون النار في الآخرة إذا سلكتم في الدنيا سبيلها، وهو الكفر، وأنتم تعلمون أن من سلك طريقا لشيء، ولا منفذ لذلك الطريق إلا إلى ذلك الشيء، فإنه يُرد عليه، لا محالة؟.

والثاني: كيف تتقون النار في الآخرة وقد تركتم القيام بما عليكم من شكر النعم؟.

والثالث: كيف تتقون العذاب في الآخرة، وأنتم تدفعون إليها، وتضطرون بقوله عز وجل {ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ} [لقمان: 24] وبقوله: {يوم يسحبون في النار على وجوههم} [القمر: 48] وبقوله: {خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم} [الدخان: 47] وقد مُكّنتم في الدنيا من الإيمان بالله تعالى ومكنتم الانتهاء عن الكفر، ثم لم تنقلعوا عنه؟ فأنى يتهيأ لكم المخلص من عذابه، وأنتم تدفعون إليه، أو كيف تنتفعون بإيمانكم في الآخرة، ولم تؤمنوا في الدنيا، وقد مكنتم منه؟.

والأصل أن دار الآخرة ليست بدار لاستحداث الأسباب، وإنما هي دار وقوع المسببات. فهم إذا لم يستحدثوا الأسباب التي جعلت لدفع العذاب في الدنيا، لم يمكنوا من استحداثها في الآخرة، فينتفعوا بها ولم يكونوا أهلا لوقوع المسببات لما لم يستحدثوا الأسباب في الدنيا، وإنما قلنا: إنها ليست بدار محنة وابتلاء لأن المحنة لاستظهار الخفيات، والثواب والعقاب قد شوهد، وعوين.

فإذا قيل له: إذا فعلت كذا دخلت النار، وهو يعاين النار، ويراها، فهو يمتنع عن الإقدام على ذلك الفعل.

وإذا قيل له: إذا آمنت بالله أكرمت بالجنة، وهو يشاهد الجنة، ويراها، فهو يؤمن، لا محالة، فلا وجه للابتلاء في الآخرة، بل هي دار المسببات، يعني الثواب والعقاب.

والذي يدل على هذا قوله: {يوما يجعل الولدان شيبا} فأخبر أنهم يشيبون لا بسبب المشيب، والمشيب في الدنيا لا يوجد إلا بعد وجود سببه، وهو الكبر، ليعلم أن الدار الآخرة ليست بدار استحداث الأسباب في ما يستحدثون من الإيمان بالله تعالى، لا ينفعهم في ذلك اليوم، ولا يقيهم من عذاب الله تعالى.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما علم بهذا أنه سبحانه شديد الأخذ، وأنه لا يغني ذا الجد منه الجد، سبب عن ذلك قوله محذراً لهم الاقتداء بفرعون: {فكيف تتقون} أي توجدون الوقاية التي تقي أنفسكم، ولما- كان التنفير من سبب التهديد أهم لأنه أدل على رحمة المحذر وأبعث على اجتنابه، قال مشيراً بأداة الشك إلى أن كفرهم بالله مع ما نصب لهم من الأدلة العقلية المؤيدة بالنقلية ينبغي أن لا يوجد بوجه، وإنما يذكر على سبيل الفرض والتقدير: {إن كفرتم} أي أوقعتم الستر لما غرس في فطركم من أنوار الدلائل القائدة إلى الإيمان فبقيتم على كفركم -على أن العبارة مشيرة إلى أنه عفا عنهم الكفر الماضي فلا يعده عليهم رحمة منه وكرماً ولا يعد عليهم إلا ما أوقعوه بعد مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم {يوماً} أي- هو مثل في الشدة بحيث إنه- يقال فيه {يجعل} لشدة أهواله وزلزاله وأوجاله {الولدان} أي عند الولادة أو بالقرب منها {شيباً} جمع أشيب وهو من ابيض شعره، وذلك كناية أن عن كثرة الهموم فيه لأن العادة جارية بأنها إذا تفاقمت أسرعت بالشيب.

والمعنى إنكار أن يقدروا على أن يجعلوا لهم وقاية بغاية جهدهم تقيهم عذاب ذلك اليوم الموصوف بهذا الهول الأعظم.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

الاستفهام ب (كيف) مستعمل في التعجيز والتوبيخ وهو متفرع بالفاء على ما تضمنه الخطاب السابق من التهديد على تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم وما أدمج فيه من التسجيل بأن الرسول صلى الله عليه وسلم شاهد عليهم، فليس بعد الشهادة إلاّ المؤاخذة بما شهد به، وقد انتقل بهم من التهديد بالأخذ في الدّنيا المستفاد من تمثيل حالهم بحال فرعون مع موسى إلى الوعيد بعقاب أشد وهو عذاب يوم القيامة، وقد نشأ هذا الاستفهام عن اعتبارهم أهل اتِّعاظ وخوف من الوعيد بما حلّ بأمثالهم مما شأنُه أن يثير فيهم تفكيراً في النجاة من الوقوع فيما هُدِّدوا به، وأنهم إن كانوا أهل جلادة على تحمل عذاب الدّنيا فماذا يصنعون في اتقاء عذاب الآخرة، فدلّت فاء التفريع واسم الاستفهام على هذا المعنى.

فالمعنى: هبكم أقدمتم على تحمل عذاب الدنيا، فكيف تتقون عذاب الآخرة؟

ووصف اليوم بأنه {يجعل الولدان شيباً} وصف له باعتبار ما يقع فيه من الأهوال والأحزان، لأنه شاع أن الهم مما يسرع به الشيب فلما أريد وصف همّ ذلك اليوم بالشدة البالغة أقواها أسند إليه يشيب الولدان الذين شعرهم في أول سواده. وهذه مبالغة عجيبة وهي من مبتكرات القرآن فيما أحسب، لأني لم أر هذا المعنى في كلام العرب.