12- للزوج نصف ما تركت الزوجة إن لم يكن لها ولد منه أو من غيره فإن كان لها ولد فلزوجها الربع من بعد وصية تُوصِى بها أو دين . وللزوجة - واحدة أو متعددة - الربع مما ترك الزوج إن لم يكن له منها أو من غيرها ولد ، فإن كان له منهن أو من غيرهن فللزوجة أو الزوجات الثمن من بعد وصية يُوصى بها أو دين ، وولد الابن كالولد فيما تقدم . وإن كان الميت رجلاً أو امرأة ولا ولد له ولا والد وترك أخاً لأم أو أختاً لأم فلكل واحد منهما السدس ، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث يستوي في ذلك ذَكَرُهم وأنثاهم بمقتضى الشركة من بعد أداء الديون التي عليه وتنفيذ الوصية التي لا تضر بالورثة ، وهي التي لا تتجاوز ثلث الباقي بعد الدين ، فالزموا - أيها المؤمنون - ما وصاكم الله به ، فإنه عليم بمن جار أو عدل منكم ، حليم لا يعاجل الجائر بعقوبة .
قوله تعالى : { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين } . هذا في ميراث الأزواج .
قوله تعالى : { ولهن الربع } . يعني للزوجات الربع .
قوله تعالى : { مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين } . هذا في ميراث الزوجات وإذا كان للرجل أربع نسوة فهن يشتركن في الربع والثمن .
قوله تعالى : { وإن كان رجل يورث كلالةً أو امرأة } تورث كلالة ونظم الآية وإن كان رجل أو امرأة يورث كلالةً وهو نصب على المصدر وقيل : على خبر ما لم يسم فاعله ، وتقديره : إن كان رجل يورث ماله كلالة . واختلفوا في الكلالة : فذهب أكثر الصحابة إلى أن الكلالة من لا ولد له ولا والد له . وروي عن الشعبي قال : سئل أبو بكر رضي الله عنه عن الكلالة فقال : إني سأقول فيها برأيي فإن كان صواباً فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان ، أراه ما خلا الوالد والولد ، فلما استخلف عمر رضي الله عنهما قال : إني لأستحيي من الله أن أرد شيئاً قاله أبو بكر رضي الله عنه . وذهب طاووس إلى أن الكلالة من لا ولد له ، وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس رضي الله عنهما وآخر القولين عن عمر رضي الله عنه ، واحتج من ذهب إلى هذا بقول الله تعالى : { قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد } وبيانه عند العامة مأخوذ من حديث جابر بن عبد الله لأن الآية نزلت فيه ولم يكن له يوم نزولها أب ولا ابن لأن أباه عبد الله بن حزام قتل يوم أحد وآية الكلالة نزلت في آخر عمر النبي صلى الله عليه وسلم فصار شأن جابر بياناً لمراد الآية لنزولها فيه ، واختلفوا في أن الكلالة اسم لمن ؟ منهم من قال : اسم للميت ، وهو قول علي وابن مسعود رضي الله عنهما ، لأنه مات عن ذهاب طرفيه فكل عمود نسبه . ومنهم من قال اسم للورثة ، وهو قول سعيد بن جبير ، لأنهم يتكللون الميت من جوانبه ، وليس في عمود نسبة أحد ، كالإكليل يحيط بالرأس ووسط الرأس منه خال ، وعليه يدل حديث جابر رضي الله عنه حيث قال : إنما يرثني كلالة أي : يرثني ورثة ليسوا بولد ولا والد ، وقال النضر بن شميل : الكلالة اسم للمال ، وقال أبو الخير : سأل رجل عقبة عن الكلالة فقال : ألا تعجبون من هذا ؟ يسألني عن الكلالة وما أعضل بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ما أعضلت بهم الكلالة . وقال عمر رضي الله عنه : ثلاث لأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم بينهن لنا أحب إلينا من الدنيا وما فيها : الكلالة والخلافة وأبواب الربا . وقال معدان بن أبي طلحة : خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : إني لا أدع بعدي شيئاً أهم عندي من الكلالة ، ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة ، وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي في الكلالة ، حتى طعن بأصبعه في صدري فقال : " يا عمر : ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء ؟ وإني إن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن " وقوله : ألا تكفيك آية الصيف ؟ أراد : أن الله عز وجل أنزل في الكلالة آيتين : إحداهما في الشتاء ، وهي التي في أول سورة النساء . والأخرى في الصيف وهي التي في آخرها وفيها من البيان ما ليس في آية الشتاء ، فلذلك أحاله عليها .
قوله تعالى : { وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس } . أراد به الأخ والأخت من الأم بالاتفاق ، قرأ سعد بن أبي وقاص " وله أخ أو أخت من أم " ولم يقل لهما مع ذكر الرجل والمرأة من قبل ، على عادة العرب إذا ذكرت اسمين ثم أخبرت عنهما وكانا في الحكم سواءً ربما أضافت إلى أحدهما وربما أضافت إليهما ، كقوله تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة }
قوله تعالى : { فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث } . فيه إجماع أن أولاد الأم إذا كانوا اثنين فصاعداً يشتركون في الثلث ذكرهم وأنثاهم . قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خطبته : ألا إن الآية التي أنزل الله تعالى في أول سورة النساء في بيان الفرائض أنزلها في الولد والوالد والأم ، والآية الثانية في الزوج والزوجة والإخوة من الأم ، والآية التي ختم بها سورة النساء في الإخوة والأخوات من الأب والأم ، والآية التي ختم بها سورة الأنفال أنزلها في أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله .
قوله تعالى : { من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار } . أي غير مدخل الضرر على الورثة بمجاوزة الثلث في الوصية ، قال الحسن هو أن يوصي بدين ليس عليه .
قوله تعالى : { وصيةً من الله والله عليم حليم } . قال قتادة : كره الله الضرار في الحياة وعند الموت ، ونهى عنه وقدم فيه .
( ولكم نصف ما ترك أزواجكم - إن لم يكن لهن ولد - فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن - من بعد وصية يوصين بها أو دين . ولهن الربع مما تركتم - إن لم يكن لكم ولد - فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم - من بعد وصية توصون بها أو دين - ) . .
والنصوص واضحة ودقيقة فللزوج نصف تركة الزوجة إذا ماتت وليس لها ولد - ذكرا أو أنثى - فأما إذا كان لها ولد - ذكرا أو أنثى ، واحدا أو أكثر - فللزوج ربع التركة . وأولاد البنين للزوجة يحجبون الزوج من النصف إلى الربع كأولادها . وأولادها من زوج آخر يحجبون الزوج كذلك من النصف إلى الربع . . وتقسم التركة بعد الوفاء بالدين ثم الوصية . كما سبق .
والزوجة ترث ربع تركة الزوج - إن مات عنها بلا ولد - فإن كان له ولد - ذكرا أو أنثى . واحدا أو متعددا . منها أو من غيرها . وكذلك أبناء ابن الصلب - فإن هذا يحجبها من الربع إلى الثمن . . والوفاء بالدين ثم الوصية مقدم في التركة على الورثة . .
والزوجتان والثلاث والأربع كالزوجة الواحدة ، كلهن شريكات في الربع أو الثمن .
والحكم الأخير في الآية الثانية حكم من يورث كلالة :
( وإن كان رجل يورث كلالة - أو امرأة - وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس . فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار ) . .
والمقصود بالكلالة من يرث الميت من حواشيه - لا من أصوله ولا من فروعه - عن صلة ضعيفة به ليست مثل صلة الأصول والفروع . وقد سئل أبو بكر - رضي الله عنه - عن الكلالة فقال : أقول فيها برأيي . فإن يكن صوابا فمن الله . وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان . والله ورسوله بريئان منه : الكلالة من لا ولد له ولا والد . فلما ولي عمر قال : إني لأستحيي أن أخالف أبا بكر في رأي رآه . [ رواه ابن جرير وغيره عن الشعبي ] . .
قال ابن كثير في التفسير : " وهكذا قال علي وابن مسعود . وصح عن غير واحد عن ابن عباس ، وزيد ابن ثابت . وبه يقول الشعبي والنخعي والحسن وقتادة وجابر بن زيد والحكم . وبه يقول أهل المدينة ، وأهل الكوفة ، والبصرة . وهو قول الفقهاء السبعة ، والأئمة الأربعة ، وجمهور السلف والخلف . بل جميعهم . وقد حكى الإجماع عليه غير واحد " . .
( وإن كان رجل يورث كلالة - أو امرأة - وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس . فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ) . .
وله أخ أو أخت - أي من الأم - فلو كانا من الأبوين أو من الأب وحده لورثا وفق ما ورد في الآية الأخيرة من السورة للذكر مثل حظ الأنثيين : لا السدس لكل منهما سواء كان ذكرا أم أنثى . فهذا الحكم خاص بالأخوة من الأم . إذ أنهم يرثون بالفرض - السدس لكل من الذكر أو الأنثى - لا بالتعصيب ، وهو أخذ التركة كلها أو ما يفضل منها بعد الفرائض :
( فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ) . .
مهما بلغ عددهم ونوعهم . والقول المعمول به هو أنهم يرثون في الثلث على التساوي . وإن كان هناك قول بأنهم - حينئذ - يرثون في الثلث : للذكر مثل حظ الأنثيين . ولكن الأول أظهر لأنه يتفق مع المبدأ الذي قررته الآية نفسها في تسوية الذكر بالأنثى : ( فلكل واحد منهما السدس ) . .
والإخوة لأم يخالفون - من ثم - بقية الورثة من وجوه :
أحدها : أن ذكورهم وإناثهم في الميراث سواء .
والثاني : أنهم لا يرثون إلا أن يكون ميتهم يورث كلالة . فلا يرثون مع أب ولا جد ولا ولد ولا ولد ابن .
والثالث : أنهم لا يزادون على الثلث وإن كثر ذكورهم وإناثهم .
( من بعد وصية يوصى بها أو دين - غير مضار ) . .
تحذيرا من أن تكون الوصية للإضرار بالورثة . لتقام على العدل والمصلحة . مع تقديم الدين على الوصية . وتقديمهما معا على الورثة كما أسلفنا . .
ثم يجيء التعقيب في الآية الثانية - كما جاء في الآية الأولى - :
( وصية من الله . والله عليم حليم ) . .
وهكذا يتكرر مدلول هذا التعقيب لتوكيده وتقريره . . فهذه الفرائض ( وصية من الله )صادرة منه ؛ ومردها إليه . لا تنبع من هوى ، ولا تتبع الهوى . صادرة عن علم . . فهي واجبة الطاعة لأنها صادرة من المصدر الوحيد الذي له حق التشريع والتوزيع . وهي واجبة القبول لأنها صادرة من المصدر الوحيد الذي عنده العلم الأكيد .
{ ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن } أي ولد وارث من بطنها ، أو من صلب بنيها ، أو بني بنيها وإن سفل ذكرا كان أو أنثى منكم أو من غيركم . { من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين } فرض للرجل بحق الزواج ضعف ما للمرأة كما في النسب ، وهكذا قياس كل رجل وامرأة اشتركا في الجهة والقرب ، ولا يستثنى منه إلا أولاد الأم والمعتق والمعتقة ، وتستوي الواحدة والعدد منهم في الربع والثمن . { وإن كان رجل } أي الميت . { يورث } أي يورث منه من ورث صفة رجل . { كلالة } خبر كان أو يورث خبره ، وكلالة حال من الضمير فيه وهو من لم يخلف ولدا ولا والدا . أو مفعول له والمراد بها قرابة ليست من جهة الوالد والولد . ويجوز أن يكون الرجل الوارث ويورث من أورث ، وكلالة من ليس له بوالد ولا ولد . وقرئ { يورث } على البناء للفاعل فالرجل الميت وكلالة تحتمل المعاني الثلاثة وعلى الأول خبر أو حال ، وعلى الثاني مفعول له ، وعلى الثالث مفعول به ، وهي في الأصل مصدر بمعنى الكلال قال الأعشى :
فآليت لا أرثي لها من كلالة *** ولا من حفا حتى ألاقي محمدا
فاستعيرت لقرابة ليست بالبعضية ، لأنها كالة بالإضافة إليها ، ثم وصف بها المورث والوارث بمعنى ذي كلالة كقولك فلان من قرابتي . { أو امرأة } عطف على رجل . { وله } أي وللرجل ، وأكتفي بحكمه عن حكم المرأة لدلالة العطف على تشاركهما فيه . { أخ أو أخت } أي من الأم ، ويدل عليه قراءة أبي وسعد بن مالك " وله أخ أو أخت من الأم " ، وأنه ذكر في آخر السورة أن للأختين الثلثين وللأخوة الكل ، وهو لا يليق بأولاد الأم وأن ما قدر ههنا فرض الأم فيناسب أن يكون لأولادها . { فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث } سوى بين الذكر والأنثى في القسمة لأن الإدلاء بمحض الأنوثة ، ومفهوم الآية أنهم لا يرثون ذلك مع الأم والجدة كما لا يرثون مع البنت وبنت الابن فخص فيه بالإجماع . { من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار } أي غير مضار لورثته بالزيادة على الثلث ، أو قصد المضارة بالوصية دون القربة والإقرار بدين لا يلزمه ، وهو حال من فاعل يوصى المذكور في هذه القراءة والمدلول عليه بقوله يوصى على البناء للمفعول في قراءة ابن كثير وابن عامر وابن عياش عن عاصم . { وصية من الله } مصدر مؤكد أو منصوب بغير مضار على المفعول به ، ويؤيده أنه قرئ { غير مضار وصية } بالإضافة أي لا يضار وصية من الله ، وهو الثلث فما دونه بالزيادة ، أو وصية منه بالأولاد بالإسراف في الوصية والإقرار الكاذب . { والله عليم } بالمضار وغيره . { حليم } لا يعاجل بعقوبته .
وقوله تعالى : { ولكم نصف ما ترك أزواجكم } الآية . الخطاب للرجال والولد ها هنا بنو الصلب وبنو ذكورهم وإن سفلوا ، ذكراناً وإناثاً ، واحداً فما زاد هذا بإجماع من العلماء .
{ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مَمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنِ وَإن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَآءُ فِى الثُّلُثِ }
والولد في هذه الآية كما تقدم في الآية التي قبلها ، والثمن للزوجة أو للزوجات هن فيه مشتركات بإجماع ، ويلحق العول{[3882]} فرض الزوج والزوجة ، كما يلحق سائر الفرائض المسماة ، إلا عند ابن عباس ، فإنه قال : يعطيان فرضهما بغير عول ، والكلالة : مأخوذة من تكلل النسب : أي أحاط ، لأن الرجل إذا لم يترك والداً ولا ولداً فقد انقطع طرفاه ، وبقي أن يرثه من يتكلله نسبه ، أي يحيط به من نواحيه كالإكليل ، وكالنبات إذا أحاط بالشيء ، ومنه : روض مكلل بالزهر ، والإكليل منزل القمر يحيط به فيه كواكب ، ومن الكلالة قول الشاعر : [ المتقارب ]
فإنّ أبا الْمَرْءِ أحمَصُ له . . . ومولى الكَلاَلَةِ لا يَغْضَبُ{[3883]}
فالأب والابن هما عمودا النسب ، وسائر القرابة يكللون ، وقال أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس وسليم بن عبيد وقتادة والحكم وابن زيد والزهري وأبو إسحاق السبيعي : «الكلالة » خلو الميت عن الولد أالوالد ، وهذا هو الصحيح ، وقالت طائفة : هي خلو الميت من الولد فقط ، وروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعن عمر ، ثم رجعا عنه ، وروي عن ابن عباس ، وذلك مستقرأ من قوله في الإخوة مع الوالدين : إنهم يحيطون الأم ويأخذون ما يحطونها .
قال القاضي أبو محمد : هكذا حكى الطبري . ويلزم على قول ابن عباس إذ ورثهم بأن الفريضة «كلالة » أن يعطيهم الثلث بالنص ، وقالت طائفة منهم الحكم بن عتيبة : «الكلالة » الخلو من الوالد ، وهذان القولان ضعيفان ، لأن من بقي والده أو ولده ، فهو موروث بجزم نسب لا بتكلل ، وأجمعت الآن الأمة على أن الإخوة لا يرثون مع ابن ولا مع أب ، وعلى هذا مضت الأمصار والأعصار ، وقرأ جمهور الناس - «يورَث » بفتح الراء ، وقرأ الأعمش وأبو رجاء - «يورِّث » - بكسر الراء وتشديدها ، قال أبو الفتح بن جني{[3884]} : وقرأ الحسن «يورث » من أورث ، وعيسى{[3885]} «يورّث » بشد الراء من ورث ، والمفعولان على كلتا القراءتين محذوفان ، التقدير : يورث وارثه كلالة ، ونصب { كلالة } على الحال ، واختلفوا في «الكلالة » فيما وقعت عليه في هذه الآية ، فقال عمر وابن عباس : «الكلالة » الميت الموروث إذا لم يكن له أب ، ونصبها على خبر كان ، وقال ابن زيد : «الكلالة » الوارثة بجملتها ، الميت والأحياء كلهم «كلالة » ، ونصبها على الحال أو على النعت لمصدر محذوف تقديره وراثة «كلالة » ، ويصح على هذا أن تكون { كان } تامة بمعنى وقع ، ويصح أن تكون ناقصة وخبرها { يورث } وقال عطاء : «الكلالة » المال ، ونصب على المفعول الثاني .
قال القاضي أبو محمد : والاشتقاق في معنى لكلالة يفسد تسمية المال بها ، وقالت طائفة : الكلالة الورثةَ ، وهذا يستقيم على قراءة «يورِث » بكسر الراء ، فينصب { كلالة } على المفعول ، واحتج هؤلاء بحديث جابر بن عبد الله ، إذ عاده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إنما يرثني «كلالة » أفأوصي بمالي كله ؟ وحكى بعضهم : أن تكون «الكلالة » الورثة ، ونصبها على خبر { كان } ، وذلك بحذف مضاف ، تقديره ذا كلالة ، ويستقيم سائر التأويلات على كسر الراء ، وقوله { أو امرأة } عطف على الرجل ، وقوله تعالى : { وله أخ أو أخت } الآية ، الضمير في له عائد على الرجل ، واكتفى بإعادته عليه دون المرأة ، إذ المعنى فيهما واحد ، والحكم قد ضبطه العطف الأول ، وأصل { أخت } : أخوة ، كما أصل بنت : بنية ، فضم أول أخت إذ المحذوف منها واو ، وكسر أول بنت إذ المحذوف ياء ، وهذا الحذف والتعليل على غير قياس ، وأجمع العلماء على أن الإخوة في هذه الآية الإخوة لأم ، لأن حكمهم منصوص في هذه الآية على صفة ، وحكم سائر الإخوة مخالف له ، وهو الذي في كلالة آخر السورة ، وقرأ سعد بن أبي وقاص «وله أخ أو أخت لأمه » والأنثى والذكر في هذه النازلة سواء ، وشركتهم في الثلث متساوية وإن كثروا ، هذا إجماع ، فإن ماتت امرأة وتركت زوجاً وأماً وإخوة أشقاء ، فللزوج النصف ، وللأم السدس وما بقي فللإخوة ، فإن كانوا لأم فقط ، فلهم الثلث ، فإن تركت الميتة زوجاً وأماً وأخوين لأم وإخوة لأب وأم ، فهذه الحمارية ، قال قوم : فيها للإخوة للأم الثلث ، ولا شيء لللإخوة الإشقاء ، كما لو مات رجل وخلف أخوين لأم ، وخلف مائة أخ لأب وأم ، فإنه يعطى الأخوان الثلث ، والمائة الثلثين ، فيفضلون بالثلث عليهم ، وقال قوم : الأم واحدة وهب أباهم كان حماراً ، وأشركوا بينهم في الثلث وسموها أيضاً المشتركة .
قال القاضي أبو محمد : ولا تستقيم هذه المسألة أن لو كان الميت رجلاً ، لأنه يبقى للأشقاء ، ومتى بقي لهم شيء فليس لهم إلا ما بقي ، والثلث للإخوة للأم .
{ غير مضار } نصب على الحال ، والعامل { يوصى } و { وصية } نصب على المصدر في موضع الحال ، والعامل { يوصيكم } وقيل : هو نصب على الخروج من قوله : { فلكل واحد منهما السدس } أو من قوله { فلهم شركاء في الثلث } ويصح أن يعمل { مضار } وفي { وصية } ، والمعنى : أن يقع الضرر بها ، وبسببها ، فأوقع عليها تجوزاً ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «غير مضار وصية » بالإضافة ، كما تقول : شجاع حرب ، ومدره حرب ، وبضة المتجرد ، في قول طرفة بن العبد{[3886]} ، والمعنى على ما ذكرناه من التجوز في اللفظ لصحة المعنى ، وقال ابن عباس : الضرار في الوصية من الكبائر ، رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :< من ضارَّ في وصية ألقاه الله تعالى في وادٍ في جهنم{[3887]} . >
قال القاضي أبو محمد : ووجوه المضارَّة كثيرة لا تنحصر ، وكلها ممنوعة : يقر بحق ليس عليه ، ويوصي بأكثر من ثلثه ، أو لوارثه ، أو بالثلث فراراً عن وارث محتاج ، وغير ذلك ، ومشهور مذهب مالك وابن القاسم أن الموصي لا يعد فعله مضارَّة ما دام في الثلث ، فإن ضارّ الورثة في ثلثه مضى ذلك ، وفي المذهب قوله : إن المضارة ترد وإن كانت في الثلث ، إذا علمت بإقرار أو قرينة ويؤيد هذا قوله تعالى : { فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم }{[3888]} . . . الآية