قوله تعالى : { لا يمسه } أي : ذلك الكتاب المكنون ، { إلا المطهرون } وهم الملائكة الموصوفون بالطهارة ، يروى هذا عن أنس ، وهو قول سعيد بن جبير ، وأبي عالية ، وقتادة وابن زيد : أنهم الملائكة ، وروى حسان ، عن الكلبي قال : هم السفرة الكرام البررة . وروى محمد بن الفضل عنه : لا يقرؤه إلا الموحدون . قال عكرمة : وكان ابن عباس ينهى أن يمكن اليهود والنصارى من قراءة القرآن . قال الفراء : لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به . وقال قوم : معناه لا يمسه إلا المطهرون من الأحداث والجنابات ، وظاهر الآية نفي ومعناها نهي ، قالوا : لا يجوز للجنب ولا للحائض ولا المحدث حمل المصحف ولا مسه ، وهو قول عطاء ، وطاوس ، وسالم ، والقاسم ، وأكثر أهل العلم ، وبه قال مالك والشافعي . وقال الحكم ، وحماد ، وأبو حنيفة : يجوز للمحدث والجنب حمل المصحف ومسه بغلاف . والأول قول أكثر الفقهاء .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنبأنا زاهر بن أحمد ، أنبأنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنبأنا أبو مصعب عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أن لا يمس القرآن إلا طاهر . والمراد بالقرآن : المصحف ، سماه قرآناً على قرب الجوار والاتساع . كما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو " . وأراد به المصحف .
( لا يمسه إلا المطهرون ) . . فقد زعم المشركون أن الشياطين تنزلت به . فهذا نفي لهذا الزعم . فالشيطان لا يمس هذا الكتاب المكنون في علم الله وحفظه . إنما تنزل به الملائكة المطهرون . . وهذا الوجه هو أظهر الوجوه في معنى( لا يمسه إلا المطهرون ) . ف( لا )هنا نافية لوقوع الفعل . وليست ناهية . وفي الأرض يمس هذا القرآن الطاهر والنجس . والمؤمن والكافر ، فلا يتحقق النفي على هذا الوجه . إنما يتحقق بصرف المعنى إلى تلك الملابسة . ملابسة قولهم : تنزلت به الشياطين . ونفي هذا الزعم إذ لا يمسه في كتابه السماوي المكنون إلا المطهرون . .
قال ابن جرير : حدثني إسماعيل بن موسى{[28152]} ، أخبرنا شريك ، عن حكيم - هو ابن جبير - عن سعيد بن جُبَيْر ، عن ابن عباس : { لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ } قال : الكتاب الذي في السماء .
وقال العَوْفِيّ ، عن ابن عباس : { [ لا يَمَسُّهُ ] إِلا الْمُطَهَّرُونَ } {[28153]} يعني : الملائكة . وكذا قال أنس ، ومجاهد ، وعِكْرِمَة ، وسعيد بن جُبَيْر ، والضحاك ، وأبو الشعثاء جابر بن زيد ، وأبو نَهِيك ، والسُّدِّيّ ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغيرهم .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا ابن ثور ، حدثنا معمر ، عن قتادة : { لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ } قال : لا يمسه عند الله إلا المطهرون ، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس ، والمنافق الرجس . وقال : وهي في قراءة ابن مسعود : { مَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ } .
وقال أبو العالية : { لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ } ليس أنتم أصحاب الذنوب .
وقال ابن زيد : زَعَمت كفار قريش أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين ، فأخبر الله تعالى أنه لا يمسه إلا المطهرون كما قال : { وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ . وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ . إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } [ الشعراء : 210 - 212 ] .
وهذا القول قول جيد ، وهو لا يخرج عن الأقوال التي قبله .
وقال الفراء : لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به .
وقال آخرون : { لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ } أي : من الجنابة والحدث . قالوا : ولفظ الآية خبر ومعناها الطلب ، قالوا : والمراد بالقرآن هاهنا المصحف ، كما روى مسلم ، عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ، مخافة أن يناله العدو{[28154]} . واحتجوا في ذلك بما رواه الإمام مالك في موطئه ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حَزم : أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم : ألا يمس القرآن إلا طاهر{[28155]} . وروى أبو داود في المراسيل ، من حديث الزهري قال : قرأت في صحيفة عند أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ولا يمس القرآن إلا طاهر " {[28156]} .
وهذه وِجَادةٌ جيدة . قد قرأها الزهري وغيره ، ومثل هذا ينبغي{[28157]} الأخذ به . وقد أسنده الدارقطني عن عمرو بن حزم ، وعبد الله بن عمر ، وعثمان بن أبي العاص ، وفي إسناد كل منها نظر{[28158]} ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.