قوله تعالى : { نحن أولياؤكم } ، تقول لهم الملائكة حين تنزل عليهم بالبشارة : نحن أولياؤكم أنصاركم وأحباؤكم ، { في الحياة الدنيا وفي الآخرة } أي : في الدنيا والآخرة . وقال السدي : تقول الملائكة نحن الحفظة الذين كنا معكم في الدنيا ، ونحن أولياؤكم في الآخرة ، يقول : لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة . { ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم } من الكرامات واللذات ، { ولكم فيها } في الجنة ، { ما تدعون } تتمنون .
القول في تأويل قوله تعالى : { نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَفِي الاَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيَ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدّعُونَ * نُزُلاً مّنْ غَفُورٍ رّحِيمٍ } .
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل ملائكته التي تتنزل على هؤلاء المؤمنين الذين استقاموا على طاعته عند موتهم : نَحْنُ أوْلَياوكُمْ أيها القوم فِي الحَياةِ الدّنْيا كنا نتولاكم فيها وذكر أنهم الحفظة الذين كانوا يكتبون أعمالهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ نَحْنُ أوْلِياوكُمْ فِي الحَياةِ الدّنْيا نحن الحفظة الذين كنا معكم في الدنيا ، ونحن أولياؤكم في الاَخرة .
وقوله : وفِي الاَخِرَةِ يقول : وفي الاَخرة أيضا نحن أولياؤكم ، كما كنا لكم في الدنيا أولياء . وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أنْفُسُكُمْ يقول : ولكم في الاَخرة عند الله ما تشتهي أنفسكم من اللذّات والشهوات . وقوله : وَلَكُمْ فِيها ما تدّعُونَ يقول : ولكم في الاَخرة ما تدّعون .
المتكلم ب { نحن أولياؤكم } هم الملائكة القائلون : «لا تخافوا ولا تحزنوا » أي يقولون للمؤمنين عند الموت وعند مشاهدة الحق نحن كنا أولياءكم في الدنيا ونحن هم في الآخرة . قال السدي المعنى : نحن حفظَتكُم في الدنيا وأولياؤكم في الآخرة ، والضمير في قوله : { فيها } عائد على الآخرة . و : { تدعون } معناه : تطلبون .
وقول الملائكة : { نَحْنُ أولِيَاؤُكُم في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وفي الآخِرَةِ } تعريف بأنفسهم للمؤمنين تأنيساً لهم .
فإن العلم بأن المتلقِّيَ صاحب قديم يزيد نفس القادم انشراحاً وأنساً ويزيل عنه دهشة القدوم ، يُخفف عنه من حشمة الضيافة ، ويزيل عنه وحشة الاغتراب ، أي نحن الذين كنا في صحبتكم في الدنيا ، إذ كانوا يكتبون حسناتهم ويشهدون عند الله بصلاتهم كما في حديث : " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : أتيناهم وهم يصلّون وتركناهم وهم يصلون " . وقد حفظوا العهد فكانوا أولياء المؤمنين في الآخرة ، وقد جيء بهذا القول معترضاً بين صفات الجنة ليتحقق المؤمنون أن بشارتهم بالجنة بشارة محب يفرح لحبيبه بالخير ويسعى ليزيده .
واعلم أن قوله : { في الحَياةِ الدُّنيا } إشارة إلى مقابلة قوله في المشركين { وَقَيَّضْنَا لَهُم قُرَنَاءَ } [ فصلت : 25 ] فكما قيّض للكافر قرناء في الدنيا قيّض للمؤمنين ملائكة يكونون قرناءَهم في الدنيا ، وكما أنطق أتباعهم باللائمة عليهم أنطق الملائكة بالثناء على المؤمنين . وهذه الآية تقتضي أن هذا الصنف من الملائكة خاص برفقة المؤمنين وولائهم ولا حظ للكافرين فيهم ، فإن كان الحفظة من خصائص المؤمنين كما نقله ابن ناجي في « شرح الرسالة » فمعنى ولايتهم للمؤمنين ظاهر ، وإن كان الحفظة موكَّلين على المؤمنين والكافرين كما مشى عليه الجمهور وهو ظاهر قوله تعالى : { كلا بل تكذبون بالدين وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون } [ الانفطار : 9 12 ] فهذا صنف من الملائكة موكّل بحفظ المؤمنين في الدنيا ، وهم غير الحفظة ، وقد يكون هذا الصنف من الملائكة هو المسمى بالمعقبات في قوله تعالى : { له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللَّه } حسب ما تقدم في سورة الرعد ( 11 ) .
وقد دلت عدة آثار متفاوتة في القبول على أن الملائكة الذين لهم علاقة بالناس عموماً أو بالمؤمنين خاصة أصناف كثيرة . وعن عثمان « أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم كم من ملَك على الإِنسان ، فذكر له عشرين مَلكاً » . ولعل وصف الملائكة المتنزلين بأنهم أولياء يقتضي أن عملهم مع المؤمن عمل صلاح وتأييد مثل إلهام الطاعات ومحاربة الشياطين ونحو ذلك ، وبذلك تتم مقابلة تنزلهم على المؤمنين بذكر تقييض القرناء للكافرين ، وهذا أحسن .
وجملة { ولَكُم فِيهَا ما تَشْتَهِي أنفُسُكُم } عطف على { التي كُنتُم تُوعَدُون } وما بينهما جملة معترضة كما بينته آنفاً .
ومعنى { مَا تَدَّعُونَ } : ما تتمنون . يقال : ادَّعَى ، أي تمنى ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { ولهم ما يدَّعون } في سورة يس ( 57 ) . والمعنى : لكم فيها ما تشتهونه مما يقع تحت الحسّ وما تتمنونه في نفوسكم من كل ما يخطر بالبال مما يجول في الخيال ، فما يدّعون غير ما تشتهيه أنفسهم .
ولهذه المغايرة أعيد { لكم } ليؤذن باستقلال هذا الوعد عن سابقه ، فلا يتوهم أن العطف عطف تفسير أو عطف عام على خاص .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.