محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{نَحۡنُ أَوۡلِيَآؤُكُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَكُمۡ فِيهَا مَا تَشۡتَهِيٓ أَنفُسُكُمۡ وَلَكُمۡ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} (31)

{ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ } أي أحباؤكم في الدارين . للتناسب بيننا وبينكم . كما أن الشياطين أولياء الكافرين ، لما بينهم من الجنسية والمشاركة في الظلمة والكدورة . قال ابن كثير : أي تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار : نحن كنا قرناءكم في الحياة الدنيا . نسددكم ونوفقكم ونحفظكم بأمر الله . وكذلك نكون معكم في الآخرة . نؤنس منكم الوحشة في القبور ، وعند النفخة في الصور . ونؤمنكم يوم البعث والنشور . ونجاوزكم الصراط المستقيم . ونوصلكم إلى جنات النعيم . وقال الرازيّ : معنى كونهم أولياء للمؤمنين ، أن للملائكة تأثيرات في الأرواح البشرية ، بالإلهامات والمكاشفات اليقينية . كما أن للشياطين تأثيرات في الأرواح ، بإلقاء الوساوس فيها ، وتخييل الأباطيل إليها . وبالجملة ، فكون الملائكة أولياء للأرواح الطيبة الطاهرة ، حاصل من جهات كثيرة معلومة ، لأرباب / المكاشفات والمشاهدات . فهم يقولون : كما أن تلك الولاية كانت حاصلة في الدنيا ، فهي تكون باقية في الآخرة . فإن تلك العلائق ذاتية لازمة غير قابلة للزوال . بل كأنها تصير بعد الموت أقوى وأبقى . وذلك لأن جوهر النفس من جنس الملائكة . وهي كالشعلة بالنسبة إلى الشمس ، والقطرة بالنسبة إلى البحر . والتعلقات الجسمانية هي التي تحول بينها وبين الملائكة . كما قال صلى الله عليه وسلم {[6423]} : ( لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم ، لنظروا إلى ملكوت السماوات ) . فإذا زالت العلائق الجسمانية ، والتدبيرات البدنية ، فقد زال الغطاء والوطاء ، فيتصل الأثر بالمؤثر ، والقطرة بالبحر ، والشعلة بالشمس . انتهى .

وهو مشرب صوفيّ ومنزع فلسفيّ ، فيه شية من الرقة { ولكم فيها } أي في الآخرة { ما تشتهي أنفسكم } أي من الروح والريحان والنعيم المقيم { ولكم فيها ما تدعون } أي تتمنون


[6423]:هذا هو نص الحديث، كما جاء في مسند الإمام أحمد بالصفحة رقم 353 من الجزء الثاني (طبعة الحلبي). عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليلة أسري بي، لما انتهينا إلى السماء السابعة فنظرت فوقي فإذا أنا برعد وبرق وصواعق. قال، فأتيت على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات، ترى من خارج بطونهم. قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا. فلما نزلت إلى السماء الدنيا نظرت أسفل مني فإذا أنا برهج ودخان وأصوات. فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذه الشياطين يحومون على أعين بني آدم أن لا يتفكروا في ملكوت السماوات والأرض، ولولا ذلك لرأوا العجائب.