قوله تعالى : { ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا } . حيثما وجدوا .
قوله تعالى : { إلا بحبل من الله } . يعني : أينما وجدوا استضعفوا وقتلوا وسبوا فلا يؤمنون إلا بحبل عهد من الله تعالى بان يسلموا .
قوله تعالى : { وحبل من الناس } . من المؤمنين ببذل جزية أو أمان ، يعني إلا أن يعتصموا بحبل فيأمنوا .
قوله تعالى : { وباؤوا بغضب من الله } . رجعوا به .
قوله تعالى : { وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون } .
ولهذا أخبر تعالى أنه عاقبهم بالذلة في بواطنهم والمسكنة على ظواهرهم ، فلا يستقرون ولا يطمئنون { إلا بحبل } أي : عهد { من الله وحبل من الناس } فلا يكون اليهود إلا تحت أحكام المسلمين وعهدهم ، تؤخذ منهم الجزية ويستذلون ، أو تحت أحكام النصارى وقد { باءوا } مع ذلك { بغضب من الله } وهذا أعظم العقوبات ، والسبب الذي أوصلهم إلى هذه الحال ذكره الله بقوله : { ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله } التي أنزلها الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الموجبة لليقين والإيمان ، فكفروا بها بغيا وعنادا { ويقتلون الأنبياء بغير حق } أي : يقابلون أنبياء الله الذين يحسنون إليهم أعظم إحسان بأشر مقابلة ، وهو القتل ، فهل بعد هذه الجراءة والجناية شيء أعظم منها ، وذلك كله بسبب عصيانهم واعتدائهم ، فهو الذي جرأهم على الكفر بالله وقتل أنبياء الله .
وقوله تعالى : { ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا } كأنه بالمعنى هلكوا واستؤصلوا ، فلذلك حسن أن يجيء بعده { إلا بحبل } ، وقرب فهم ذلك للسامع ، قال الزجّاج : المعنى ضربت عليهم الذلة إلا أنهم يعتصمون بالعهد إذا أعطوه ، و «الحبل » العهد ، شبه به لأنه يصل قوماً بقوم كما يفعل الحبل في الأجرام ، و { باؤوا } معناه مضوا متحملين لهذا الحكم ، و «غضب الله عليهم » ، بما دلت عليه هذه الأمور التي أوقع بهم ، وأفعال بني إسرائيل على وجه الدهر من التعنت والعصيان توجب الغضب ، فلذلك خصوا به ، والنصارى إنما ضلوا فقط ، و { المسكنة } التذلل والضعة ، وهي حالة الطواف الملتمس للقمة واللقمتين المضارع المفارق لحالة التعفف والتعزز به ، فليس أحد من اليهود وإن كان غنياً إلا وهو بهذه الحال ، وقوله تعالى : { ذلك } إشارة إلى الغضب وضرب الذلة والمسكنة ، فعاقبهم الله على كفرهم وقتلهم الأنبياء بذلك ، و { آيات الله } : يحتمل أن يراد بها المتلوة ، ويحتمل أن يريد العبر التي عرضت عليهم ، وقوله : { بغير حق } تأكيد ومبالغة وقطع لما عسى أن يكون في وهم إنسان ممكناً بوجه ما ، وقوله تعالى : { ذلك بما عصوا } حمله المفسرون على أن الإشارة بذلك إلى الشيء الذي أشير إليه بذلك الأول ، قاله الطبري والزجّاج وغيرهما . والذي أقول : إن الإشارة ب { ذلك } الأخير إنما هي إلى كفرهم وقتلهم ، وذلك أن الله تعالى ، استدرجهم فعاقبهم على العصيان والاعتداء بالمصير إلى الكفر وقتل الأنبياء ، وهو الذي يقول أهل العلم : إن الله تعالى يعاقب على المعصية بالإيقاع في معصية ، ويجازي على الطاعة بالتوفيق إلى الطاعة ، وذلك موجود في الناس إذا تأمل{[3433]} ، وعصيان بني إسرائيل واعتداؤهم في السبت وغيره متقرر في غير ما موضع من كتاب الله ، وقال قتادة رحمه الله عندما فسر هذه الآية : اجتنبوا المعصية والعدوان فإن بها أهلك من كان قبلكم من الناس .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.