تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيۡنَ مَا ثُقِفُوٓاْ إِلَّا بِحَبۡلٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلٖ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ} (112)

الآية 112 وقوله تعالى : { ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله } وفي حرف ابن مسعود رضي الله عنه : ( ضربت عليهم المسكنة ) وليس فيه الذلة ، وفي حرف حفصة : ( ضربت عليهم المسكنة والذلة ) [ ثم اختلف في الذلة ]{[4236]} قيل : هي الجزية التي ضربت عليهم ، وهي ذلة كقوله : { عن يد وهم صاغرون } [ التوبة : 29 ] لأنهم كانوا يأنفون منها .

وقوله تعالى : { أين ما ثفقوا } أي وجدوا { إلا بحبل من الله وحبل من الناس } يعني بعهد من الله وعهد من الناس ، يكون عند{[4237]} قوم يؤدون الجزية . وكذلك تأويل ابن عباس رضي الله عنه /66-ب/ { بحبل من الله وحبل من الناس } أي بعهد من الله وعهد من الناس . وقال مقاتل رضي الله عنه : والناس في هذا الموضع والنبي صلى الله عليه وسلم خاصة . ويحتمل قوله : { ضربت عليهم الذلة } بكفرهم في ما بين المسلمين بعد ما كانوا أهل ذكر وشرف وعز في ما بينهم { أين ما ثقفوا } أي لا يوجدون { إلا بحبل من الله وحبل من الناس } بالإسلام ، أي لا يظفرون بهم ، ولا يوجدون إلا أن يسلموا لخوفهم على أنفسهم .

وقوله تعالى : { وباءوا بغضب من الله } قيل : استوجبوا غضبا من الله بكفرهم ، وقيل : رجعوا ، وقيل : وجب عليهم الغضب ، وقد ذكرنا هذا في غير موضع ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وضربت عليهم المسكنة } وهي الحاجة والفقر ، وهو ما ذكرنا أنهم ظاهروا المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قربهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وبعدهم بالمشركين ، فان{[4238]} الله تعالى بذلك ، وجعلهم أهل حاجة وصنعة في ما بين المسلمين بعد ما كانوا أهل عز وشرف في ما بينهم ، وهو كقوله : { وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب } [ الأحزاب : 26 ] .

قال الشيخ ، رحمه الله : وقد يحتمل رجوع الآية إلى خاص ، وهم الذين ذكر الله في قوله : { وأنزل الذين ظاهروهم } الآية [ الأحزاب : 26 ] وغير ذلك مما يصير فيه المسلمون ، يعرف حقيقة المراد من شهد النوازل ، وعرف الأسباب التي جاءت بالبشارات . ويحتمل أن الله تعالى جعل كل حاجتهم إلى ما يفنى ، وهو الدنيا التي لا بقاء لها ، ولا منفعة في الحقيقة ، فهي حاجة ، ثم بما فيهم بالجهل أن ذلك فيهم حاجة ، ويحتمل أن الله مع ما [ وسع عليهم ]{[4239]} الدنيا جعل في قلوبهم خوف الفقر وأعظم الحاجات ، فهي المسكنة .

وقوله تعالى : { ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله } وآيات الله ما ذكرنا في غير موضع . وقوله تعالى : { ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق } يحتمل وجوها : أن أوائلهم قد قتلوا الأنبياء بغير حق ، وهؤلاء رضوا بذلك وإن كانوا لم يتولوهم بأنفسهم ، فأضاف الله تعالى ذلك إليهم لأنهم شاركوا في صنيعهم ، وهو كقوله : { من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا } [ المائدة : 32 ] ويحتمل أن يكونوا قصدوا{[4240]} قتل محمد صلى الله عليه وسلم فإذا قصدوا ذلك فكأنهم قصدوا الأنبياء كلهم كما ذكرنا في قوله : { من قتل نفسا } الآية [ المائدة : 32 ] ويحتمل أن يكونوا هموا بقتل{[4241]} محمد صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون غارهم{[4242]} بآبائهم إذ هم قلدوهم في الدين ، فبين سوء صنيعهم بالأنبياء عليهم السلام ليعرفوا به سفههم وسفه كل من قصد تقليدهم ، والله أعلم . ويحتمل أن يكونوا قتلوا{[4243]} أتباع محمد صلى الله عليه وسلم فأضاف [ القتل إليهم ]{[4244]} ، وهو كما أضاف مخادعتهم المؤمنين إلى نفسه{[4245]} وكما أضاف نصر أوليائه إليه{[4246]} ، وإن كان لا يخادع ، ولا ينصر . فعلى ذلك إضافة القتل إليه{[4247]} لقتلهم الأتباع ، والله اعلم .


[4236]:من م، ساقطة من الأصل.
[4237]:في الأصل وم: تحت.
[4238]:فان: يفين: جاء.
[4239]:من م، في الأصل: وعليهم.
[4240]:في الأصل وم: قصد.
[4241]:في الأصل وم: قتل.
[4242]:في الأصل وم: غيرهم، غارهم، أصابهم.
[4243]:في الأصل وم: قتل.
[4244]:في الأصل وم: إليه.
[4245]:إشارة إلى قوله تعالى: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعون} [النساء: 142]..
[4246]:إشارة إلى قوله تعالى: {ولينصروا الله من ينصركم} [الحج: 40] وقوله تعالى: {إن تنصروا الله ينصركم} [محمد: 7].
[4247]:إشارة إلى قوله تعالى: {ولاكن الله قاتلهم} [الأنفال: 17].