غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيۡنَ مَا ثُقِفُوٓاْ إِلَّا بِحَبۡلٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلٖ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ} (112)

112

التفسير : هذا خبر آخر من مستقبلات أحوال اليهود المعلومة بالوحي . والمعنى ضربت عليهم الذلة والهوان في عامة الأحوال بالقتل والسبي والنهب أينما وجدوا إلا معتصمين أو متلبسين أي إلا في حال اعتصامهم { بحبل من الله وحبل من الناس } يعني ذمة الله وذمة المسلمين ، فهما في حكم واحد أي لا عزلهم قط إلا هذه الواحدة وهي التجاؤهم إلى الذمة بقبول الجزية ، فحينئذٍ يكون دمهم محقوناً ومالهم مصوناً وهو نوع من العزة وقيل : حبل الله الإسلام ، وحبل الناس الذمة . فعلى هذا يكون الواو بمعنى " أو " . وقيل : ذمة الله الجزية المنصوص عليها ، وذمة الناس ما يزيد الإمام عليها أو ينقص بالاجتهاد . وإنما صح الاستثناء المفرغ من الموجب نظراً إلى المعنى لأن ضرب الذلة عليهم معناه لا تنفك عنهم { وباءوا بغضب من الله } قيل : إنه من قولك " تبوأ فلان منزل كذا " والمعنى مكثوا في غضب الله . وسواء قولك حل بهم الغضب وحلوا بالغضب . { وضربت عليهم المسكنة } عن الحسن أن المراد بها الجزية ، وإنما أفردت بالذكر بعد الاستثناء ليعلم أنها باقية غير زائلة بعد اعتصامهم بالذمة .

وقال آخرون : المراد أنك لا ترى منهم ملكاً قاهراً ولا رئيساً مطاعاً لكنهم مستخفون في جميع النواحي والأكناف ، يظهرون من أنفسهم الفقر والمدقعة ألبتة . وباقي الآية قد مر تفسيره في البقرة إلا أنه سبحانه قال في هذا الموضع من هذه السورة وفي النساء { الأنبياء بغير حق } لأن جمع التكسير يفيد التكثير فذكر في الموضعين أعني في البقرة وفي أول السورة ما ينبئ عن القلة مع أن ذلك موافق لما بعده من جموع السلامة كالذين والصابئين وغيرهما . ثم تدرج إلى ما هو نص في الكثرة في الموضعين الآخرين نعياً عليهم وتفظيعاً لشأنهم ، ولمثل هذا عرّف الحق في البقرة إشارة إلى الحق الذي أذن الله أن تقتل النفس به وهو قوله :{ ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق }[ الأنعام :151 ] ثم نكر في المواضع الباقية أي يغير ما حق أضلالاً في نفس الأمر ولا بحسب معتقدهم وتدينهم .

/خ120