فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيۡنَ مَا ثُقِفُوٓاْ إِلَّا بِحَبۡلٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلٖ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ} (112)

قوله : { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة } قد تقدم في البقرة معنى هذا التركيب . والمعنى : صارت الذلة محيطة بهم في كل حال ، وعلى كل تقدير في أي مكان وجدوا { إِلاَّ بِحَبْلٍ من الله } أي : إلا أن يعتصموا بحبل من الله ، قاله الفراء : أي : بذمة الله ، أو بكتابه { وَحَبْلٍ منَ الناس } أي : بذمة من الناس ، وهم المسلمون ، وقيل المراد بالناس : النبي صلى الله عليه وسلم { وَبَاءوا } أي : رجعوا { بِغَضَبٍ منَ الله } وقيل : احتملوا ، وأصل معناه في اللغة اللزوم ، والاستحقاق ، أي : لزمهم غضب من الله هم مستحقون له . ومعنى ضرب المسكنة : إحاطتها بهم من جميع الجوانب ، وهكذا حال اليهود ، فإنهم تحت الفقر المدقع ، والمسكنة الشديدة إلا النادر الشاذ منهم . والإشارة بقوله { ذلك } إلى ما تقدم من ضرب الذلة ، والمسكنة ، والغضب ، أي : وقع عليهم ذلك بسبب أنهم كانوا يكفرون بآيات الله ، ويقتلون الأنبياء بغير حق ، والإشارة بقوله : { ذلك } إلى الكفر ، وقتل الأنبياء بسبب عصيانهم لله ، واعتدائهم لحدوده . ومعنى الآية : أن الله ضرب عليهم الذلة ، والمسكنة ، والبواء بالغضب منه لكونهم كفروا بآياته ، وقتلوا أنبياءه بسبب عصيانهم ، واعتدائهم .

/خ112