قوله تعالى : { وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم } قرأ أبو عمر : { أخذ } بضم الهمزة وكسر الخاء { ميثاقكم } برفع القاف على ما لم يسم فاعله . وقرأ الآخرون بفتح الهمزة والخاء ونصب القاف ، أي : أخذ الله ميثاقكم حين أخرجكم من ظهر آدم عليه السلام ، بأن الله ربكم لا إله لكم سواه ، قاله مجاهد . وقيل : أخذ ميثاقكم بإقامة الحجج والدلائل التي تدعو إلى متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم . { إن كنتم مؤمنين } يوماً ، فالآن أحرى الأوقات أن تؤمنوا لقيام الحجج والإعلام ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن .
{ وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } أي : وما الذي يمنعكم من الإيمان ، والحال أن الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل وأكرم داع دعا إلى الله يدعوكم ، فهذا مما يوجب المبادرة إلى إجابة دعوته ، والتلبية والإجابة للحق الذي جاء به{[980]} ، وقد أخذ عليكم العهد والميثاق بالإيمان إن كنتم مؤمنين ، ومع ذلك ، من لطفه وعنايته بكم ، أنه لم يكتف بمجرد دعوة الرسول الذي هو أشرف العالم ، بل أيده بالمعجزات ، ودلكم على صدق ما جاء به بالآيات البينات .
وما لكم لا تؤمنون بالله أي وما تصنعون غير مؤمنين به كقولك ما لك قائما والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم حال من ضمير تؤمنون والمعنى أي عذر لكم في ترك الإيمان والرسول يدعوكم إليه بالحجج والآيات وقد أخذ ميثاقكم أي وقد أخذ الله ميثاقكم بالإيمان قبل ذلك بنصب الأدلة والتمكين من النظر والواو للحال من مفعول يدعوكم وقرأ أبو عمرو وعلى البناء للمفعول ورفع ميثاقكم إن كنتم مؤمنين لموجب ما فإن هذا موجب لا مزيد عليه .
ظاهر استعمال أمثال قوله : { وما لكم لا تؤمنون } أن يكون استفهاماً مستعملاً في التوبيخ والتعجيب ، وهو الذي يناسب كون الأمر في قوله : { آمنوا بالله ورسوله } مستعملاً في الطلب لا في الدوام .
وتكون جملة { لا تؤمنون } حالاً من الضمير المستتر في الكون المتعلق به الجار والمجرور كما تقول : ما لك قائماً ؟ بمعنى ما تصنع في حال القيام . والتقدير : وما لكم كافرين بالله ، أي ما حصل لكم في حالة عدم الإيمان .
وجملة { والرسول يدعوكم } حال ثانية ، والواو واو الحال لا العطف ، فهما حالان متداختان . والمعنى : ماذا يمنَعكم من الإيمان وقد بين لكم الرسولُ من آيات القرآن ما فيه بلاغ وحجة على أن الإِيمان بالله حق فلا عذر لكم في عدم الإِيمان بالله فقد جاءتكم بينات حقّيّته فتعين أن إصراركم على عدم الإِيمان مكابرة وعناد .
وعلى هذا الوجه فالميثاق المأخوذ عليهم هو ميثاق من الله ، أي ما يماثل الميثاق من إيداع الإيمان بوجود الله وبوحدانيته في الفطرة البشرية فكأنه ميثاق قد أخذ على كل واحد من الناس في الأزل وشرط التكوين فهو ناموس فطري . وهذا إشارة إلى قوله تعالى : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى } وقد تقدم في سورة الأعراف ( 172 ) .
فضمير { أخذ } عائد إلى اسم الجلالة في قوله : { وما لكم لا تؤمنون بالله } والمعنى : أن النفوس لو خلت من العناد وعن التمويه والتضليل كانت منساقة إلى إدراك وجود الصانع ووحدانيته وقد جاءهم من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يكشف عنهم ما غشى على إدراكهم من دعاء أيمة الكفر والضلال .
وجملة { إن كنتم مؤمنين } مستأنفة ، وجواب الشرط محذوف دل عليه قوله : { والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم } .
واسم فاعل في قوله { إن كنتم مؤمنين } مستعمل في المستقبل بقرينة وقوعه في سياق الشرط ، أي فقد حصل ما يقتضي أن تؤمنوا من السبب الظاهر والسبب الخفي المرتكز في الجبلة .
ويرجح هذا المعنى أن ظاهر الأمر في قوله : { آمنوا بالله ورسوله } [ الحديد : 7 ] أنه لطلب إيجاد الإِيمان كما تقدم في تفسيرها وأن الآية مكية .
وقرأ الجمهور { أخذ } بالبناء للفاعل ونصب { ميثاقكم } على أن الضمير عائد إلى اسم الجلالة ، وقرأه أبو عمرو { أُخِذ } بالبناء للنائب ورفع { ميثاقُكم } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.