المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{لَا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلۡأَيۡمَٰنَۖ فَكَفَّـٰرَتُهُۥٓ إِطۡعَامُ عَشَرَةِ مَسَٰكِينَ مِنۡ أَوۡسَطِ مَا تُطۡعِمُونَ أَهۡلِيكُمۡ أَوۡ كِسۡوَتُهُمۡ أَوۡ تَحۡرِيرُ رَقَبَةٖۖ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖۚ ذَٰلِكَ كَفَّـٰرَةُ أَيۡمَٰنِكُمۡ إِذَا حَلَفۡتُمۡۚ وَٱحۡفَظُوٓاْ أَيۡمَٰنَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (89)

89- لا يعاقبكم الله بسبب ما لم تقصدوه من أيْمانكم ، وإنما يعاقبكم بسبب الحنث فيما قصدتموه ووثَّقتموه من الأَيْمان ، فإن حنثتم فيما حلفتم عليه فعليكم أن تفعلوا ما يغفر ذنوبكم بنقض اليمين ، بأن تطعموا عشرة فقراء يوماً ، مما جرت العادة بأن تأكلوه أنتم وأقاربكم الذين هم في رعايتكم ، من غير سَرَفٍ ولا تقتير . أو بأن تكسوا عشرة من الفقراء كسوة معتادة ، أو بأن تحرروا إنساناً من الرق . فإذا لم يتمكن الحالف من أحد هذه الأمور فعليه أن يصوم ثلاثة أيام . وكل واحد من هذه الأمور يغفر به ذنب الحلف الموثق بالنية إذا نقضه الحالف . وصونوا أيْمانَكم فلا تضعوها في غير موضعها ، ولا تتركوا فعل ما يغفر ذنبكم إذا نقضتموها . على هذا النسق من البيان يشرح الله لكم أحكامه ، لتشكروا نعمه بمعرفتها والقيام بحقها{[56]} .


[56]:هذه آية من الآيات العديدة في القرآن الكريم التي تؤدي إلى تحرير الرقاب إذ توسع القرآن في المسالك المؤدية إلى تحرير الرقاب كما ضيق من مصادر الرق.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلۡأَيۡمَٰنَۖ فَكَفَّـٰرَتُهُۥٓ إِطۡعَامُ عَشَرَةِ مَسَٰكِينَ مِنۡ أَوۡسَطِ مَا تُطۡعِمُونَ أَهۡلِيكُمۡ أَوۡ كِسۡوَتُهُمۡ أَوۡ تَحۡرِيرُ رَقَبَةٖۖ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖۚ ذَٰلِكَ كَفَّـٰرَةُ أَيۡمَٰنِكُمۡ إِذَا حَلَفۡتُمۡۚ وَٱحۡفَظُوٓاْ أَيۡمَٰنَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (89)

قوله تعالى : { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } . قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما نزلت : { لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم } ، قالوا : يا رسول الله ، كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها ؟ وكانوا حلفوا على ما اتفقوا عليه ، فأنزل الله : { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } .

قوله تعالى : { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } ، قرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر : { عقدتم } بالتخفيف ، وقرأ ابن عامر ( عاقدتم ) بالألف ، وقرأ الآخرون ( عقدتم ) بالتشديد ، أي : وكدتم ، والمراد من الآية قصدتم وتعمدتم .

قوله تعالى : { فكفارته } ، أي : كفارة ما عقدتم الأيمان إذا حنثتم .

قوله تعالى : { إطعام عشرة مساكين } ، واختلفوا في قدره ، فذهب قوم إلى أنه يطعم كل مسكين مداً من الطعام ، بمد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو رطل وثلث من غالب قوت البلد ، وكذلك في جميع الكفارات ، وهو قول زيد بن ثابت ، وابن عمر ، وبه قال سعيد بن المسيب ، والقاسم ، وسليمان بن يسار ، وعطاء ، والحسن ، وقال أهل العراق : لكل مسكين مدان ، وهو نصف صاع ، يروى ذلك عن عمر وعلي رضي الله عنهما . وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : إن أطعم من الحنطة فنصف صاع ، وإن أطعم من غيرها فصاع ، وهو قول الشعبي ، والنخعي ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والحكم ، ولو غداهم وعشاهم لا يجوز . وجوزه أبو حنيفة رضي الله عنه ، ويروى ذلك عن علي رضي الله عنه . ولا تجوز الدراهم والدنانير ، ولا الخبز ولا الدقيق ، بل يجب إخراج الحب إليهم ، وجوز أبو حنيفة رضي الله عنه كل ذلك . ولو صرف الكل إلى مسكين واحد لا يجوز ، وجوز أبو حنيفة أن يصرف طعام عشرة إلى مسكين واحد في عشرة أيام ، ولا يجوز أن يصرف إلا إلى مسلم ، حر ، محتاج ، فإن صرف إلى ذمي أو عبد ، أو غني ، لا يجوز . وجوز أبو حنيفة رضي الله عنه صرفها إلى أهل الذمة . واتفقوا على أن صرف الزكاة إلى أهل الذمة لا يجوز .

قوله تعالى : { من أوسط ما تطعمون أهليكم } ، أي من خير قوت عيالكم ، وقال عبيدة السلماني : الأوسط الخبز والخل ، والأعلى الخبز واللحم ، والأدنى الخبز البحت ، والكل مجز .

قوله تعالى : { أو كسوتهم } ، كل من لزمته كفارة اليمين فهو فيها مخير إن شاء أطعم عشرة من المساكين ، وإن شاء كساهم ، وإن شاء أعتق رقبة ، فإن اختار الكسوة فاختلفوا في قدرها ، فذهب قوم إلى أنه يكسو كل مسكين ثوباً واحداً مما يقع عليه اسم الكسوة ، إزار أو رداء ، أو قميص أو عمامة ، أو كساء أو نحوها ، وهو قول ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وعطاء ، وطاووس ، وإليه ذهب الشافعي رحمه الله تعالى . وقال مالك : يجب لكل إنسان ما تجوز فيه صلاته ، فيكسو الرجال ثوباً واحداً ، والنساء ثوبين : درعاً وخماراً . وقال سعيد بن المسيب : لكل مسكين ثوبان .

قوله تعالى : { أو تحرير رقبة } ، وإذا اختار العتق يجب إعتاق رقبة مؤمنة ، وكذلك جميع الكفارات ، مثل كفارة القتل ، والظهار ، والجماع في نهار رمضان ، يجب فيها إعتاق رقبة مؤمنة ، وأجاز أبو حنيفة رضي الله عنه والثوري رضي الله عنه إعتاق الرقبة الكافرة في جميعها ، إلا في كفارة القتل ، لأن الله تعالى قيد الرقبة فيها بالإيمان ، قلنا : المطلق يحمل على المقيد ، كما أن الله تعالى قيد الشهادة بالعدالة في موضع فقال : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } ، وأطلق في موضع ، فقال : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } [ البقرة :282 ] ، ثم العدالة شرط في جميعها حملاً للمطلق على المقيد ، كذلك هذا ، ولا يجوز إعتاق المرتد بالإنفاق عن الكفارة ، ويشترط أن يكون سليم الرق ، حتى لو أعتق عن كفارته مكاتباً ، أو أم ولد ، أو عبد ، اشترى بشرط العتق ، أو اشترى قريبه الذي يعتق عليه بنية الكفارة يعتق ، ولكن لا يجوز عن الكفارة ، وجوز أصحاب الرأي عتق المكاتب إذا لم يكن أدى شيئاً من النجوم ، وعتق القريب عن الكفارة ، ويشترط أن تكون الرقبة سليمة من كل عيب يضر بالعمل ضرراً بيناً ، حتى لا يجوز مقطوع إحدى اليدين ، أو إحدى الرجلين ، ولا الأعمى ، ولا الزمن ، ولا المجنون المطبق ، ويجوز الأعور ، والأصم ، ومقطوع الأذنين والأنف ، لأن هذه العيوب لا تضر بالعمل ضرراً بيناً ، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه : كل عيب يفوت جنساً من المنفعة يمتنع الجواز ، حتى جوز مقطوع إحدى اليدين ، ولم يجوز مقطوع الأذنين .

قوله تعالى : { فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام } ، إذا عجز الذي لزمته كفارة اليمين عن الطعام والكسوة ، وتحرير الرقبة ، يجب عليه صوم ثلاثة أيام ، والعجز أن لا يفضل من ماله عن قوته وقوت عياله ، وحاجته ، ما يطعم أو يكسو أو يعتق ، فإنه يصوم ثلاثة أيام . وقال بعضهم : إذا ملك ما يمكنه الإطعام وإن لم يفضل عن كفايته فليس له الصيام ، هو قول الحسن وسعيد بن جبير . واختلفوا في وجوب التتابع في هذا الصوم ، فذهب جماعة إلى أنه لا يجب فيه التتابع ، بل إن شاء تابع وإن شاء فرق ، والتتابع أفضل ، وهو أحد قولي الشافعي ، وذهب قوم إلى أنه يجب فيه التتابع قياساً على كفارة القتل والظهار ، وهو قول الثوري ، وأبي حنيفة ، ويدل عليه قراءة ابن مسعود رضي الله عنه صيام ثلاثة أيام متتابعات .

قوله تعالى : { ذلك } ، أي : ذلك الذي ذكرت .

قوله تعالى : { كفارة أيمانكم إذا حلفتم } ، وحنثتم ، فإن الكفارة لا تجب إلا بعد الحنث . واختلفوا في تقديم الكفارة على الحنث ، فذهب قوم إلى جوازه ، لما روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه ، وليفعل الذي هو خير ) . وهو قول عمر ، وابن عباس ، وعائشة رضي الله عنها ، وبه قال الحسن ، وابن سيرين ، وإليه ذهب مالك ، والأوزاعي ، والشافعي ، إلا أن الشافعي يقول : إن كفر بالصوم قبل الحنث لا يجوز ، لأنه بدني ، وإنما يجوز بالإطعام ، أو الكسوة ، أو العتق ، كما يجوز تقديم الزكاة على الحول ، ولا يجوز تعجيل صوم رمضان قبل وقته ، وذهب قوم إلى أنه لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث ، وبه قال أبو حنيفة رضي الله عنه .

قوله تعالى : { واحفظوا أيمانكم } ، قيل : أراد به ترك الحلف ، أي : لا تحلفوا ، وقيل : هو الأصح ، أراد به : إذا حلفتم فلا تحنثوا ، فالمراد منه حفظ اليمين عن الحنث ، هذا إذا لم يكن يمينه على ترك مندوب ، أو فعل مكروه ، فإن حلف على فعل مكروه ، أو ترك مندوب ، فالأفضل أن يحنث نفسه ويكفر .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا حجاج بن منهال ، أنا جرير بن حازم ، عن الحسن ، عن عبد الرحمن بن سمرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا عبد الرحمن بن سمرة ، لا تسأل الإمارة ، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها ، وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها ، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير ) .

قوله تعالى : { كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلۡأَيۡمَٰنَۖ فَكَفَّـٰرَتُهُۥٓ إِطۡعَامُ عَشَرَةِ مَسَٰكِينَ مِنۡ أَوۡسَطِ مَا تُطۡعِمُونَ أَهۡلِيكُمۡ أَوۡ كِسۡوَتُهُمۡ أَوۡ تَحۡرِيرُ رَقَبَةٖۖ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖۚ ذَٰلِكَ كَفَّـٰرَةُ أَيۡمَٰنِكُمۡ إِذَا حَلَفۡتُمۡۚ وَٱحۡفَظُوٓاْ أَيۡمَٰنَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (89)

{ 89 } { لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ }{[277]}

أي : في أيمانكم التي صدرت على وجه اللغو ، وهي الأيمان التي حلف بها المقسم من غير نية ولا قصد ، أو عقدها يظن صدق نفسه ، فبان بخلاف ذلك . { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ } أي : بما عزمتم عليه ، وعقدت عليه قلوبكم . كما قال في الآية الأخرى : { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } { فَكَفَّارَتُهُ } أي : كفارة اليمين الذي عقدتموها بقصدكم { إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ }

وذلك الإطعام { مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ } أي : كسوة عشرة مساكين ، والكسوة هي التي تجزئ في الصلاة . { أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } أي : عتق رقبة مؤمنة كما قيدت في غير هذا الموضع ، فمتى فعل واحدا من هذه الثلاثة فقد انحلت يمينه .

{ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ } واحدا من هذه الثلاثة { فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ } المذكور { كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ } تكفرها وتمحوها وتمنع من الإثم .

{ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ } عن الحلف بالله كاذبا ، وعن كثرة الأيمان ، واحفظوها إذا حلفتم عن الحنث فيها ، إلا إذا كان الحنث خيرا ، فتمام الحفظ : أن يفعل الخير ، ولا يكون يمينه عرضة لذلك الخير .

{ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ } المبينة للحلال من الحرام ، الموضحة للأحكام . { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } اللهَ حيث علمكم ما لم تكونوا تعلمون . فعلى العباد شكر الله تعالى على ما منَّ به عليهم ، من معرفة الأحكام الشرعية وتبيينها .


[277]:- في ب كتب الآية كاملة
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلۡأَيۡمَٰنَۖ فَكَفَّـٰرَتُهُۥٓ إِطۡعَامُ عَشَرَةِ مَسَٰكِينَ مِنۡ أَوۡسَطِ مَا تُطۡعِمُونَ أَهۡلِيكُمۡ أَوۡ كِسۡوَتُهُمۡ أَوۡ تَحۡرِيرُ رَقَبَةٖۖ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖۚ ذَٰلِكَ كَفَّـٰرَةُ أَيۡمَٰنِكُمۡ إِذَا حَلَفۡتُمۡۚ وَٱحۡفَظُوٓاْ أَيۡمَٰنَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (89)

{ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } هو ما يبدو من المرء بلا قصد كقول الرجل : لا والله وبلى والله ، وإليه ذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه ، وقيل الحلف على ما يظن أنه كذلك ولم يكن ، وإليه ذهب أبو حنيفة رحمه الله تعالى وفي أيمانكم صلة يؤاخذكم أو اللغو لأنه مصدر أو حال منه . { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } بما وثقتم الأيمان عليه بالقصد والنية ، والمعنى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم إذا حنثتم أو بنكث ما عقدتم فحذف للعلم به وقرأ حمزة والكسائي وابن عياش عن عاصم { عقدتم } بالتخفيف ، وابن عامر برواية ابن ذكوان " عاقدتم " وهو من فاعل بمعنى فعل . { فكفارته } فكفارة نكثه أي الفعلة التي تذهب اثمه وتستره ، واستدل بظاهره على جواز التكفير بالمال قبل الحنث وهو عندنا خلافا للحنفية لقوله عليه الصلاة والسلام " من حلف على يمين ورأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير " . { إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم } من أقصده في النوع أو القدر ، وهو مد لكل مسكين عندنا ونصف صاع عند الحنفية ، وما محله النصب لأنه صفة مفعول محذوف تقديره : أن تطعموا عشرة مساكين طعاما من أوسط ما تطعمون ، أو الرفع على البدل من إطعام ، وأهلون كأرضون . وقرئ " أهاليكم " بسكون الياء على لغة من يسكنها في الأحوال الثلاث كالألف ، وهو جمع أهل كالليالي في جمع ليل والأراضي في جمع أرض . وقيل هو جمع اهلاة . { أو كسوتهم } عطف على إطعام أو من أوسط إن جعل بدلا وهو ثوب يغطي العورة . وقيل ثوب جامع قميص أو رداء أو إزار . وقرئ بضم الكاف وهو لغة كقدوة في قدوة وكأسوتهم بمعنى أو كمثل ما تطعمون أهليكم إسرافا كان أو تقتيرا تواسون بينهم وبينهم إن لم تطعموهم الأوسط ، والكاف في محل الرفع وتقديره : أو إطعامهم كأسوتهم . { أو تحرير رقبة } أو إعتاق إنسان ، وشرط الشافعي رضي الله تعالى عنه في الأيمان قياسا على كفارة القتل ، ومعنى أو إيجاب إحدى الخصال الثلاث مطلقا وتخيير المكفر في التعيين { فمن لم يجد } أي واحدا منها . { فصيام ثلاثة أيام } فكفارته صيام ثلاثة أيام ، وشرط فيه أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه التتابع لأنه قرئ " ثلاثة أيام متتابعات " ، والشواذ ليست بحجة عندنا إذا لم تثبت كتابا ولم ترو سنة . { ذلك } أي المذكور . { كفارة أيمانكم إذا حلفتم } وحنثتم . { واحفظوا أيمانكم } بأن تضنوا بها ولا تبذلوها لكل أمر ، أو بأن تبروا فيها ما استطعتم ولم يفت بها خير ، أو بأن تكفروها إذا حنثتم . { كذلك } أي مثل ذلك البيان . { يبين الله لكم آياته } أعلام شرائعه . { لعلكم تشكرون } نعمة التعليم أو نعمة الواجب شكرها فإن مثل هذا التبيين يسهل لكم المخرج منه .